أكد عدد من الإعلاميين ورؤساء الصحف المحلية أن وكالات الأنباء تضطلع بدور مهم في نقل الأخبار الموثوقة من مصادرها الرسمية، ليس فقط للصحف المحلية والدولية، بل تتعدى ذلك إلى محطات الإذاعة والتلفزيون.
جاء ذلك خلال مشاركتهم في الجلسة النقاشية الأولى بندوة «حوار كونا» التي نظمتها وكالة الأنباء الكويتية أمس، ضمن فعاليات الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي لعام 2025، والتي تناولت عدة محاور تشمل «دور كونا ووكالات الأنباء في دعم الإعلام - ذاكرة إذاعة الكويت: من التأسيس إلى العصر الرقمي - تطور التلفزيون الكويتي ودوره في نقل الصورة الوطنية».
ورأى الإعلاميون المشاركون أن التلفزيون يشكل واحدا من أكثر وسائل الإعلام الجاذبة والأقرب إلى نفس المتلقي في ترسيخ وتجسيد القيم الوطنية، مؤكدين ضرورة أن يمارس التلفزيون دوره التوعوي والإرشادي والتثقيفي في تعزيز الهوية وغرس الوحدة الوطنية والمحافظة عليهما.
من جانبه، قال رئيس تحرير صحيفة الراي وليد الجاسم خلال مشاركته في الجلسة النقاشية ان وكالات الأنباء ومؤسسات الإعلام الحكومي تزخر بكفاءات عالية ومتى أتيحت لها الفرصة وتخلصت من التقييد الحكومي فستكون قادرة على الإبداع بشكل أكبر.
وأكد الجاسم أهمية أن تكون لوكالات الأنباء والتلفزيون الحكومي قيمة خلال أوقات الضرورة وقدرة على الإقناع وتسويق رؤية ومشاريع الدولة، مشددا على أن الإعلام الحكومي لن يستطيع تحقيق النجاح في إقناع الجمهور إلا عبر تحديد شريحته المستهدفة والتعامل معها ومعرفة طريقة تفكيرها ووسائل إقناعها والتأثير عليها.
ورأى أن «دور (كونا) في تزويد الإعلام الكويتي بالأخبار واضح ولا نقلل من شأنه لكن نتمنى لوكالات الأنباء دورا أكبر في سرعة الرد على الشائعات لاسيما مع ما يصاحب عالم مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة من انتشار واسع للأخبار المغلوطة كما أنه من الضروري التعامل مع الأخبار الجيدة والرسمية بطريقة مختلفة ومؤثرة».
من جانبه، قال نائب المدير العام لقطاع التحرير السابق في «كونا» سعد العلي خلال مشاركته في الجلسة النقاشية إن علاقة وكالات الأنباء بالصحافة ليست قائمة على المنافسة وكلتاهما مصدر للمعلومة بينما المنافسة تكون بين الصحيفة ونظيراتها من الصحف، لافتا إلى اعتماد وكالات الأنباء عموماً و«كونا» بشكل خاص في نطاق العمل على شبكة من المرسلين المنتشرين في مختلف البلدان.
وأضاف العلي أن «الجهات تتعامل مع (كونا) على أنها متلق للخبر فقط بينما الوكالة تسعى جاهدة لصناعة الخبر»، مؤكدا في الوقت ذاته وجوب التعامل مع العاملين في وكالات الأنباء على أنهم إعلاميون وصحافيون وتوفير الأمن الوظيفي العالي لهم وتهيئة البيئة الملائمة للابداع.
ورأى أن «اعتماد الصحافة الكويتية على (كونا) في الأخبار الخارجية خلال ثمانينيات القرن الماضي كان أكبر من الفترات اللاحقة وذلك لدور الكويت الرائد على مستوى القضايا العربية إذ تحولت بعدها سياسة الدولة إلى التركيز على القضايا المحلية بشكل أكبر».
بدوره، قال مدير إدارة البرامج الثقافية والدينية بتلفزيون الكويت بدر الدعي خلال مشاركته إن تلفزيون دولة الكويت ومنذ انطلاقه في 15 نوفمبر 1961 مر بمراحل تطور مختلفة، من مرحلة ساعات البث المحدودة ثم البث بالألوان عام 1974 تلاها التوسع في القنوات ليصل عددها حاليا إلى ثماني قنوات تعمل جاهدة على نقل الصورة الوطنية.
وأوضح الدعي أن جميع مقدمي البرامج في الوقت الحالي من الكوادر الكويتية، بعدما كان التلفزيون يستعين في بداياته بعدد من الكفاءات العربية، مبينا أن «الشباب الكويتيين اليوم يعكسون الهوية الوطنية في برامجهم وإطلالاتهم الإعلامية».
من جهته، استذكر مدير إدارة البرنامج الثاني والمحطات المحلية في إذاعة دولة الكويت د. يوسف السريع خلال مشاركته الدور البارز الذي لعبته الاذاعة خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 إذ شهدت تلك الفترة انضمام خبرات عربية كبيرة إلى إذاعة دولة الكويت من إذاعة الشرق الأدنى من بينهم مصطفى بوغربية وتوفيق الغصين وأحمد سالم وأحمد عبدالعال ومحمد الصوان.
وبين أن هذه المرحلة شكلت نقلة نوعية في الأداء البرامجي والإنتاج الفني حيث بدأت الإذاعة في عام 1958 تسجيل الأعمال الغنائية ضمن ما وصف بـ «القوة الناعمة» التي أسهمت اليوم في امتلاك الاذاعة الكويتية أرشيفا ضخما يعد من أغنى وأندر المكتبات السمعية في المنطقة.
الجلسة الثانية
وفي الجلسة الثانية التي جاءت تحت عنوان «الصحافة والإعلام الجديد»، سلط المشاركون الضوء على التحولات الرقمية الراهنة وأثرها في المشهد الإعلامي، والتحديات التي تواجه المهنة الإعلامية والصحافة الورقية في عصر السرعة والتكنولوجيا.
وتحدث في الجلسة، التي أدارتها الإعلامية ورود حيات، نخبة من الشخصيات الإعلامية على المستوى العربي، من بينهم الأمين العام لاتحاد وكالات الأنباء العربية (فانا) الدكتور فريد أيار، ورئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء الأردنية (بترا) نبيل غيشان، والمدير العام لوكالة أنباء البحرين (بنا) عبدالله بوحجي، بالإضافة إلى المدير العام السابق لوكالة (بترا) رمضان الرواشدة.
وافتتح المشاركون مداخلاتهم بتأكيد أن التحول الرقمي ليس خياراً بل ضرورة حتمية لرفد العمل الصحفي بالكفاءة والسرعة مع الحفاظ على المعايير المهنية والأخلاقية.
وأشاروا إلى أن الصحافة الورقية تواجه تحديات بالغة في مواكبة سرعة الانتقال إلى الإعلام الإلكتروني، وكيفية إعادة صياغة دورها في بيئة وسائل التواصل والمنصات الرقمية. وقال د. أيار إن الأشخاص اليوم أصبحوا يقومون بدور الإعلامي من خلال نشر الأخبار والمعلومات عبر المنصات المختلفة، مبيناً أن الكثير مما يُنشر يكون مغلوطا وغير دقيق.
من جهته، قال رئيس (بترا) نبيل غيشان خلال الجلسة، إن الإعلام يواجه اليوم تحولات جذرية غير مسبوقة بفعل الثورة التكنولوجية، موضحاً أن الإعلام الذي كان يُعرف بالسلطة الرابعة أصبح اليوم بفعل التطور الرقمي السلطة الأولى، لما له من تأثير مباشر في تشكيل الرأي العام وصناعة القرار.
وفي حديثه بالجلسة، قال عبدالله بوحجي: «تربينا على الإعلام الكويتي»، الذي شكّل مدرسة إعلامية مميزة في المنطقة، مشيراً إلى أن الثقافة الكويتية تركت أثراً واضحاً في المشهد الإعلامي الخليجي، وأن اختيار الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي لعام 2025 استحقاق طبيعي لما قدمته من عطاءات في هذه المجالات.
وأضاف بوحجي أن وكالات الأنباء تمثل إعلام الدولة الرسمي وتعكس سياساتها ومواقفها بدقة ومسؤولية، مؤكداً أن هناك تحدياً قائماً مع الإعلام الرقمي الذي يتسم بالسرعة والانتشار، إلا أن وكالات الأنباء تعمل على مواكبة هذا التطور ودمج الوسائط الرقمية في عملها المهني.
من ناحيته، أكد المدير العام السابق لـ (بترا) رمضان الرواشدة خلال الجلسة، أن دولة الكويت رائدة في مجالي الثقافة والإعلام منذ عقود طويلة، مشيراً إلى أن جهودها المتميزة في دعم العمل الثقافي والإعلامي العربي تجسدت في مبادراتها ومواقفها المشهودة، وهو ما يجعل اختيارها عاصمة للثقافة والإعلام العربي لعام 2025 تقديراً مستحقاً لدورها الريادي.
الجلسة الثالثة
واعتبر المشاركون في الجلسة الحوارية الثالثة مصداقية الإعلام ركيزة أساسية لتعزيز الشفافية وبناء جسور الثقة مع المتلقي، مؤكدين أهمية التزام الإعلام المرئي والمسموع والمقروء على المستويين الحكومي والخاص بأعلى معايير الموضوعية والمهنية في نقل الأخبار والمعلومات وتقديم الحقيقة بدقة وأمانة.
وحملت الجلسة عنوان «تكامل الأدوار الإعلامية»، وتناولت عدداً من المحاور هي: العلاقة بين كونا والإذاعة والتلفزيون مع الصحافة في نقل الحقيقة - دور الصحافة الورقية في الإعلام الوطني وتعزيز الهوية الكويتية - رؤية مستقبلية: الإعلام الكويتي 2030.
وقال الإعلاميون إن الصحافة الورقية تلعب دوراً محورياً في تعزيز الوعي العام وحفظ الهوية الوطنية، مؤكدين أهمية استمرارها كأداة فاعلة في الدفاع عن قضايا الوطن وحماية تراثه الثقافي.
وأوضح رئيس تحرير «القبس» وليد النصف، خلال مشاركته في الجلسة النقاشية، أن مواكبة التحول الرقمي أصبحت ضرورة في المجال الصحافي، لاسيما في ظل المتغيرات المتسارعة التي تمر بها وسائل الإعلام.
وبين النصف أن الصحف كانت تستحوذ في عام 2015 على نسبة 60 في المئة تقريباً من ميزانية الإعلانات في الكويت، بينما لا تتجاوز ميزانية الإعلانات اليوم نسبة 9 في المئة، ما يعكس حجم التحول في اهتمامات الجمهور والمعلنين.
وأضاف أن الاستشعار المبكر لهذا الأمر دفع صحيفة القبس إلى إرسال وفد منها لصحيفة الغارديان البريطانية في عام 2015، للتعرف على تجربتها في التحول الرقمي، حيث أوصى مسؤولو الصحيفة البريطانية بعدم الاستثمار في الجانب الورقي والتركيز على الإعلام الرقمي «باعتباره المستقبل»، مؤكدا أن هذه التجربة عززت أهمية التوجه نحو المنصات والوسائل الحديثة.
وأشار إلى أن الصحف الورقية لا ترتبط بعلاقة منافسة مع «كونا»، التي تعد المصدر الأكثر قدرة على تغطية الفعاليات الرسمية والمؤتمرات الصحافية بدقة ومهنية، فجميع الصحف المحلية تعتمد عليها في التحقق من الأخبار ونشرها، لاسيما فيما يتعلق بالمعلومات الرسمية الموثوقة.
من جهته، قال رئيس جمعية الصحافيين الكويتية عدنان الراشد، في الجلسة النقاشية، إن علاقة الجمعية والصحف الكويتية وثيقة جداً مع «كونا»، حيث إن نسبة كبيرة من الأخبار المحلية والصور تنقلها الصحف الكويتية من «كونا»، الأمر الذي يؤكد الطاقات والقدرات المهنية التي يمتلكها العاملون في هذه المؤسسة، مؤكدا أن الإعلام الرسمي جهة مساندة وموثوقة لدى الصحافة المحلية.
واستذكر دور «كونا» إبان فترة الغزو العراقي الغاشم سنة 1990، حيث اعتمدت الدولة بشكل كامل على مكاتبها في الخارج، وكانت الوكالة هي المتحدث الرسمي باسم الدولة، إضافة إلى الجهود التي قامت بها بعض الصحف الكويتية التي صدرت بالخارج، داعيا الحكومة إلى تقديم الدعم الكامل لهذه المؤسسة الإعلامية.
وحول دور الصحافة الورقية في الإعلام الوطني، أوضح الراشد أن الصحافة الورقية تقوم بدور مهم في تعزيز الهوية الوطنية، مؤكدا حرص جمعية الصحافيين على التواصل والتنسيق والعمل مع المؤسسات الصحافية الكويتية دون أي سلطة أو رقابة عليها.
العتيبي: الصحافة الحرة تبحث عن الحقيقة وتنقلها مهما كانت النتائج
عن العلاقة بين «كونا»، والإذاعة، والتلفزيون والصحافة في نقل الحقيقة، تحدث رئيس تحرير «الجريدة» الزميل ناصر العتيبي، مؤكداً أن الإشكالية في تعريف كلمة الحقيقة، فمفهومها لدى الإعلام المستقل يختلف عنه في الإعلام الحكومي، فنحن ننظر إلى الحقيقة ونبحث عنها مهما كانت نتائجها، فنقل الحقيقة حق للمجتمع وواجب على الصحافة.
جاء ذلك خلال مشاركة العتيبي في الجلسة النقاشية الثالثة من الندوة الحوارية التي نظمتها «كونا»، تحت عنوان «حوار كونا» أمس، ضمن فعاليات الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي لعام 2025، وحملت الجلسة عنوان «تكامل الأدوار الإعلامية»، وتناولت عددا من المحاور هي: العلاقة بين كونا والإذاعة والتلفزيون مع الصحافة في نقل الحقيقة - دور الصحافة الورقية في الإعلام الوطني وتعزيز الهوية الكويتية - رؤية مستقبلية: الإعلام الكويتي 2030.
وأضاف العتيبي: «على سبيل المثال، هناك الكثير من الأخبار تنفيها الأجهزة الحكومية عبر كونا والإذاعة والتلفزيون، ولكن نجد أن النفي غير صحيح أو غير دقيق، بل إن النفي يخفي الحقيقة المجردة»، مستدركاً بالقول: «في كل الأحوال، الاختلاف في نقل الحقيقة بين وسائل الإعلام الحكومية والخاصة من الأسباب التي تثري المنافسة، فالاختلاف مطلوب حتى لا يكون للإعلام الكويتي لون واحد وصبغة واحدة».
وعن دور الصحافة الورقية في الإعلام الوطني، قال العتيبي: «هناك خلط في مفاهيم دور الصحافة في الإعلام الوطني، فالأصل في الصحافة الحرة نقل الحقيقة كما هي، سواء كانت لها انعكاسات إيجابية على الدولة أو نتائج سلبية، بالتالي، هناك اعتقاد أنه كلما سلطت الصحافة الضوء على سلبيات الأداء الحكومي، سواء من وزراء وقياديين ومسؤولين، فإن الصحافة تكون قد انحرفت عن مسار الإعلام الوطني».
وشدد على أن الإعلام الوطني لا يعني أن تكون الصحافة مرآة غير صادقة لما يجري في الدولة في كلا الاتجاهين سلبا وإيجابا، بل إن «الإعلام الوطني في تعريفه الحقيقي - بحسب رأيي - هو ممارسة دور السلطة الرابعة، نقداً وإشادة وتوجيها».
أما فيما يتعلق بمسؤولية الصحافة الورقية في تعزيز الهوية الكويتية، فقال العتيبي: «أعتقد أنها لیست من مسؤوليات الصحافة، فهذا دور الأجهزة الحكومية، بل إن مسؤولية الصحافة الورقية رقابة الأجهزة الحكومية فيما تقوم به تحت شعار (الهوية الكويتية) تقويما وتصحيحا، متى ما انحرفت الحكومة في استغلال المصطلح العام، بما قد يؤدي إلى تفتيت المجتمع، أو إشادة متى ما كانت الخطوات تنعكس بشكل إيجابي على استقرار المجتمع وتماسكه ووحدته».