لا يمكن لعاقل ومنصف في النظر والتحليل أن ينُكر حقيقة تجسدت واقعاً عايشه القاصي والداني. ذلكم أن غزة قد كسرت شوكة الكيان الصهيوني وهدمت كل أركان وجوده المستمر المتمثلة بـ:
1- شعب بأكمله مكونه عصابات مسلحة لقيطة من أصقاع الأرض حُوِّرتْ لجيش لإضفاء شرعية وهمية للمحتل، ومع ذلك أظهرته المقاومة واهناً!
2- آلية حربية ومعدات عسكرية ومتطورة بأحدث التجهيزات والتقنيات الأميركية والأوروبية، وإمداد لم ينقطع أميركياً وأوروبياً، وأجهزة استخبارات وتجسس متقدمة، وقفت عاجزة أمام المقاومة ولم تتمكن من اختراق منظومتها للقيادة والسيطرة، ولا تعقب أسراهم، وغيرها كثير.
3- قوة عسكرية ضاربة تملك هيمنة في المنطقة ولا يمكن مواجهتها وفقاً للدعاية الصهيونية، بأنه الجيش الذي لا يقهر، كسرته وتفوقت عليه المقاومة، فهي لم تتوقف عن شلّ مدرعاته وكشف هشاشة معداته بأسلحة تقليدية بسيطة لكن بإرادة صلبة.
4- أن الكيان الصهيوني مكان آمن لجمع شتات اليهود وخصوصاً الصهاينة بوطن آمن محمي بقوة ردع لا تضاهى ومحمي بقبب صاروخية متعددة وبأسوار وموانع محكمة تمنع نهايته وزواله. فكانت المفاجأة اختراق المقاومة لكل ذلك واستنزافه على مدى سنتين لم تتوقفا، وتكبيده خسائر بشرية ومعدات عسكرية دفعت بهجرة معاكسة لنحو ما يقارب نصف مليون لخارجه، فضاع الأمان وأدركوا أنه لا أمان بعد اليوم لمحتل!
5- أن التوسع على حساب الوجود الفلسطيني والدول العربية المجاورة هدف في متناولهم وقادرون على تحقيقه.
لقد أسقطت غزة وكسرت كل تلك الحسابات وتلك الأوهام التوسعية، وحولتها هباء منثوراً في مواجهة ريح المقاومة وصلابتها ومنطلقاتها العقائدية والقومية والوطنية وقدمت نموذجاً فريداً لمقاومة قهرت الكيان الصهيوني وكل من يقف وراءه ومرغت وجهه وعنجهيته برمال غزة الطاهرة (عسقلان)، وسطرت بشعبها الصلب صموداً أسطورياً أجبر العالم أن يقر له جدارته في البقاء بأرضه واستحقاقه ذلك والفشل الذريع لمخطط تهجيره الذي طرح بعدة مسميات وتم الترتيب له منذ عشرات السنوات، بل سطر رسالة مدوية بقدرته على إفشال كل ذلك على نحو يقض مضاجع أعدائه من الصهاينة وحلفائهم الظاهرين أو المتخفين!
وقد بدأت عقارب ساعة طرد المحتل منه وإنهاء وجوده بالدوران، وهو دوران لن يتوقف بعد اليوم، خصوصاً مع أفول السردية الصهيونية وأخذ السردية الفلسطينة والغزية مكانها والتي تسابق العالم على تلقفها ودعمها لتتحول فلسطين وقضية تحريرها آيقونة العالم الحر والمحايد اليوم، فأطلق الحصار على الكيان الصهيوني وحلفائه، فصار همهم، هل للخروج من ذلك سبيل! ولا أظن أنهم سيجدون لذلك سبيلاً، بل تقطعت بهم السبل، وآن أوان زوال هذا الكيان السرطاني اللقيط!
وها هي محاولة انتشال الكيان من مستنقع الهزيمة والانكسار والهجرات المعاكسة والحصار والعزلة الدولية بل والانهيار، قد بدأت باتفاق سلام هش رفعت فيه شعارات عديدة وتلته ترتيبات كثيرة بقيادة أميركية وتحالف دولي مجامل وغير مقتنع، لأنه بني على أسس انحياز لطرف واحد هو الكيان الصهيوني، فلن يلقى حتماً توافقاً، مما يشكك بنجاحه، بل إن أطروحات القادة المجتمعين في شرم الشيخ فيها تفاوت وغير متوافقة.
وهناك عبارات غامضة ومجهّلة في المبادرة وهو ما أشار إليه بعض القادة والمحللين خصوصاً مخالفتها للمعطيات الواقعية والقرارات الأممية والقناعات العربية والإسلامية، والأخيرة أكثر صلابة!
والمقاومة أساسها فكرة وشعب مرتبط بها ارتباط مصير حتمي ووجود ولا يملكه إلا صاحب الأرض ولن يتغلب عليه المحتل اللقيط مهما بلغت عصاباته من الخبث والتوحش والتجهيزات.
وإن غداً لناظره قريب.