مضى الآن ما يقارب القرن وأكثر على التدريس في مناطق الأكراد بالعراق... باللغة الكردية. كان العراق تحت الحكم العثماني، وكان «حزب الاتحاد والترقي»، يحكم الدولة العثمانية متبنياً سياسة التتريك وإعطاء الأولوية للغة التركية، في محاولة أخيرة لإنقاذ الدولة العثمانية في وجه هجوم قومي کردي وعربي وأرمن... ومن كل لون!

أخطر «الاتحاديون» في الدولة الثانية إلى إدخال اللغة العربية في التعليم العام، ثم تراجعوا عن قرارهم وأمروا بتدريس مادتي الجغرافيا والتاريخ باللغة التركية. وطالب الأكراد في مدينة «دهوك» شمالي العراق بالتدريس باللغة الكردية في کردستان. ودعا هذا الجيش العثماني إلى الهجوم على «بارزان» في أبريل 1914.

Ad

وفي دراسته المطولة عن «التعليم في كردستان»، يقول الباحث عمر إبراهيم عزيز من أربيل، إنه كان في العراق سنة 1919 نحو 75 مدرسة ابتدائية وأولية، وكان التعلم باللغة العربية في 56 مدرسة، وباللغة التركية في 11 مدرسة، وباللغة الكردية في 7 مدارس.

ولم تشتمل البعثة العلمية الأولى إلى الخارج على طلاب من كردستان، وقد نشرت اللجنة الدولية التي حققت في مشكلة الموصل في توصيتها ضرورة نشر التعليم في المدارس الكردية باللغة الكردية، واتخذت عصبة الأمم في 1925م قراراً بهذا الشأن بلغ به المندوب السامي البريطاني في بغداد، ولكن الحكومات العربية العراقية المتعاقبة لم تلتزم بذلك.

واستمرت محاولات الأكراد المخلصين لجعل الدراسة باللغة الكردية في مناطق کردستان، ولتوفير ميزانية للتعليم في كردستان مماثلة لميزانيات باقي محافظات العراق.

(مجلة المعرفة، نوفمبر 2004، الرياض، ص 22-36).

ويضيف الباحث عزيز في المقال نفسه عن المجهودات الكردية في المجال التربوي فيقول:

كانت نسبة المدارس الكردية قليلة مقارنة بعدد السكان الأكراد في مناطق كركوك والموصل، ولم تكن الدراسة باللغة الكردية في دهوك والعمادية وزاخو وشيخان وعقرة، بينما كانت الدراسة باللغة الكردية في 13 مدرسة في هذه الأقضية عام 1927م.

ولم توفر الحكومة ميزانية لتوفير المناهج باللغة الكردية، ولم تفسح لهم المجال لعمل ذلك.

ويقدم الباحث صورة متوازنة حول جهود سائر الأطراف بما في ذلك الانتداب البريطاني في تحسين الأوضاع التربوية وتحسين التعلیم في کردستان فيقول:

«ورغم مساوئ الانتداب البريطاني من 1924 إلى 1932م في السياسة التعليمية لكردستان العراق، فهناك أمور إيجابية يجب ذكرها مثل:

- وضع في هذه الفترة أسس ونظام ومناهج الدراسة الكردية.

- التجاوب مع المطالب الكردية فيما يتعلق باستخدام اللغة الكردية.

- تطوير اللغة الكردية كوسيلة للمراسلة والتعليم».

وتحسنت أوضاع التعليم مؤقتاً بعد «ثورة تموز 1958» إلا أنها تدهورت منذ بروز الصراعات داخل الثورة منذ مطلع 1960، وعجز آلاف الطلبة في کردستان عن اللحاق بالمدارس ثم تدهور الوضع بعد الثورة الكردية التي اندلعت في 11 سبتمبر1961.

ثم حدث تغير كامل في السياسة التعليمية بعد فبراير 1962 ضد التعليم باللغة الكردية، وأعلنت سياسة توحيد المناهج في جميع أنحاء العراق باللغة العربية، واستخدام كلمة «المنطقة الشمالية» بدلاً من «كردستان»، وتأسيس مكتبات عربية في المناطق الكردية، وشجب مقررات لجنة الدراسات الكردية حول تأسيس كلية للتربية في کردستان، وعدم تأسيس مجمع علمي کردي مع «إنزال أشد العقوبات في حق المعلمين الذين اشتركوا في الحركة الانفصالية الرجعية في شمال الجمهورية العراقية».

انتهت مع عام 1991 مرحلة القمع بعد الانتفاضة، ووجدت أجواء من الحرية جعلت اليزيديين يطالبون بحقوقهم الدينية، وتم تقديم طلب إلى برلمان كردستان لتدريس اليزيدية في المناطق ذات الأكثرية اليزيدية، ووافق البرلمان وأعدت المناهج والكتب المطلوبة، كما تمتع السريان والأرمن بالحريات التي أتيحت بعد الانتفاضة عام 1991.