يتوقع الأميركيون من حكومتهم أن تحميهم من المجرمين ومهربي المخدرات والبشر، لا من المعالجين الذين يستخدمون الدلافين لمساعدة المرضى. لكن في هاواي، وُضعت إليزا ويله وليزا دينينغ، وهما معالجتان كرّستا حياتهما للعمل مع دلافين «سبينر»، في مواجهة الدولة الفدرالية بعد أن قلب قرار إداري حياتهما رأساً على عقب.
كانت ويله تستخدم السباحة مع الدلافين كوسيلة علاجية لمدمني المخدرات والمصابين بالاضطرابات النفسية. المرضى الذين يصعب عليهم الحديث في العيادة، كانوا ينفتحون بسهولة عندما يسبحون إلى جانب هذه الكائنات الذكية. لكن في عام 2021، أصدر موظف منخفض الرتبة في «الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي» (NOAA) قراراً يمنع السباحة على مسافة تقل عن خمسين ياردة من الدلافين، والأسوأ أن من يقترب منها يعرّض نفسه لغرامة تصل إلى 20 ألف دولار وسنة في السجن.
لم يكن القرار مبرراً، فالدلافين ليست مهددة بالانقراض، بل «وفيرة» بحسب اعتراف الوكالة نفسها. ومع أن القانون يمنع بالفعل إيذاءها أو مضايقتها، قرر الموظف أن الدلافين «تنفق طاقة زائدة» حين تتفاعل مع البشر. هكذا وُلدت «دولة الحضانة» حتى للكائنات البحرية.
ويله ودينينغ لم تعترضا فقط على مضمون القاعدة، بل على الطريقة التي صدرت بها، فالقرار لم يُمرَّر عبر الكونغرس أو الرئيس، بل أُصدر بتفويض من مسؤول أعلى لواحد من موظفيه، من دون تعيين سياسي أو رقابة شعبية. وهو ما اعتبرتاه انتهاكاً للدستور الأميركي، الذي ينصّ على أن صانعي القواعد يجب أن يكونوا معيّنين بقرار من الرئيس وتمت المصادقة عليهم من مجلس الشيوخ، كي يمكن مساءلتهم أمام المواطنين.
حين رفعت المرأتان دعوييهما عام 2022، دافعت الوكالة عن قرارها، وأيّد المدير العام ريك سبينراد القاعدة، وطلب من المحكمة رفض القضية، من دون أن يلغي التفويض الممنوح لذلك الموظف. وفي النهاية حكمت محكمة اتحادية في ولاية ماريلاند لصالح الحكومة. واليوم تنتظر المرأتان حكماً من محكمة الاستئناف الفدرالية الرابعة لتأكيد أن القواعد التنظيمية لا يجوز أن تصدر إلا من مسؤولين خاضعين للمساءلة السياسية.
الأمر بالنسبة لهما ليس نقاشاً قانونياً مجرداً، بل مسألة حياة ومعيشة. فقدت ويله عملها بعد أن فقدت جزءاً أساسياً من ممارستها العلاجية، بينما خسرت دينينغ 90% من دخلها بعدما توقفت رحلات السباحة العلاجية. كلتاهما لم تُسجَّل عليهما أي مخالفة، وكانتا تعلمان زبائنهما انتظار اقتراب الدلافين طوعاً، وتغادر الماء باكراً لتركها ترتاح. ويله نفسها أمضت ثماني سنوات في دراسة سلوك الدلافين وذكائها.
لكن موظفاً بيروقراطياً واحداً أطاح بثمرة عملهما الطويل، وهو ما يعكس مشكلة أوسع في إدارة الحكم: موظفون غير منتخبين يصدرون قرارات جنائية تمس حياة الناس من دون أي رقابة سياسية. هذه السلطة التنفيذية المجهولة تُجرّم أفعالاً لا تضر أحداً.
ويله ودينينغ لا تطلبان فوضى في البحار، بل حقهما في ممارسة عملهما بمسؤولية، ومساعدة المرضى على الشفاء، وترك الدلافين تكون كما هي. فدعواهما ليستا عن السياحة أو العلاج، بل عن **مساءلة السلطة أمام الشعب**. وعلى الحكومة أن تركّز على منع الأذى الحقيقي، لا على حظر الفرح.
* مايكل بون محامٍ في مؤسسة باسيفيك القانونية، ويمثل المدعيتين في قضية Wille v. Raimondo.