في بداية السبعينيات وأثناء النقاش مع زملائنا اليساريين والاشتراكيين في الجامعة كنا نقول لهم إن ثورة الصين بدأت قبل ثوراتكم بثلاث سنين فقط فانظروا أين وصلت الصين وأين وصلتم أنتم.
في ذلك الوقت، لم تكن الصين قد وصلت إلى القوة العسكرية والتكنولوجية التي وصلت إليها الآن، أما الدول العربية الثورية فكانت في ذروتها، وتفخر بأنظمتها واشتراكيتها وأسلحتها، وتتغنى بأهازيج القوة والنصر والعزة (أمجاد يا عرب أمجاد)، ولكن بعد سنوات تكشفت حقيقتها، وخسرت حروبها، وتخلف اقتصادها، وتشتت شعبها المظلوم.
فالنظام البعثي في العراق، مثلاً، استورد أسلحة ضخمة وعتاداً كبيراً بالأموال النفطية، وأطلق الدعايات الإعلامية المدوية حتى صاح الجهلة "صدام اسمك هز أميركا"، بينما أهمل الشريعة والعلم الحديث والمشاركة الفعلية للإنسان في التنمية وكل المجالات، ومارس البطش والظلم، وامتلأت السجون، فسقط النظام في ساعات قليلة، ولحقه النظام البعثي في سورية بعد ذلك.
أما الوضع حالياً في الصين فهو مختلف، فقد اهتمت الصين بالعلوم الحديثة، خصوصاً التكنولوجيا، وقامت بالاعتماد على الذات في النظام الاقتصادي الحر حتى أصبحت المنتجات الصينية تغزو العالم، كما اهتمت بصناعة الأسلحة المتطورة وبناء قوة عسكرية متقدمة حتى تحدى قائلهم في الأسبوع الماضي فقال: "إن أميركا قد تستطيع أن تطلق الطلقة الأولى لأننا لا يمكن أن نطلقها، ولكن بالتأكيد لن تستطيع أميركا أن تطلق الطلقة الثانية لأن لدى الصين صواريخ تحمل رؤوساً نووية عديدة مع قنبلة هيدروجينية وتستطيع إبادة عدة مدن أميركية في نفس الوقت"، ولسان حاله يقول: "شي جينبينغ اسمك هز أميركا". وبالفعل فقد صرح خبراء أميركيون بأنه بعد عشر سنوات لن تستطيع أميركا أن تنافس الصين.
كل ذلك فعلته الصين في سنوات معدودة، فانتقل الشعب من المخدرات والفقر والمرض إلى قوة هائلة عسكرية واقتصادية.
هذا المقال ليس دعاية للنظام الصيني، لأن فيه ما فيه من العيوب، ولكن لبيان أن الدول التي تقدمت، الصين وغيرها، أخذت بكثير من المبادئ المادية الموجودة أصلاً في الإسلام، مثل الإخلاص للوطن، وتشجيع العلوم الحديثة، والاستعداد بالتكنولوجيا وبالقوة العسكرية والاقتصادية. فعلى الدول العربية أن تتأمل أحداث العالم، وتبدأ مشوار إعداد القوة بالعلوم الحديثة، وبالعمل الجاد، الذي ينطلق من هويتها ومشاركة شعوبها، فيتحقق لها التقدم المادي والكرامة الفعلية دون أن تطلب المساعدة الأمنية أو الاقتصادية من أحد.