شاهدت منشوراً للكاتب جعفر رجب عبر حسابه بتطبيق إنستغرام، تطرَّق فيه إلى قصة حملت تساؤلات طريفة في ظاهرها، لكنها تحمل في داخلها واقعاً مؤسفاً، عن مجموعة من الطلبة المُبتعثين إلى أعرق الجامعات العالمية، ممن أنهوا دراساتهم العُليا في جامعات مثل أوكسفورد وكيمبردج، ليعودوا إلى وطنهم ويجدوا أنفسهم يعملون تحت إدارة أشخاص اشتروا شهاداتهم من «تيمو»، ويتأمرون في أصحاب الشهادات العريقة.
القصة، وإن بدت ساخرة، تعكس حقيقة يعيشها كثير من الشباب الذين قضوا سنوات في التحصيل العلمي والتدريب والتأهيل، ثم اصطدموا بواقعٍ إداري لا يوازي جهودهم ولا يقدِّر مؤهلاتهم. فبسبب قوانين ديوان الخدمة المدنية، التي تتسم أحياناً بالتخبُّط وعدم الوضوح، يجد هؤلاء المتميزون أنفسهم في وظائف لا تمت لتخصصاتهم ولا لمستواهم العلمي بِصِلة، في حين تُهدر خبراتهم وكفاءاتهم في أعمالٍ إدارية روتينية لا تُضيف شيئاً لهم ولا للمؤسسة.
المشكلة لا تكمن في الأفراد بقدر ما تكمن في المنظومة التي ما زالت عاجزة عن وضع آلية عادلة وشفافة لتوظيف الكفاءات في مواقعها المناسبة. فالديوان، الذي من المفترض أن يكون جهة تنظيم وتطوير، أصبح يُعيد تعريف البيروقراطية بأساليب جديدة، يُطلق تطبيقات للتبصيم، ويُوقف أخرى، يسن قرارات، ثم يتراجع عنها، من دون أن يبلور رؤية واضحة لإدارة الموارد البشرية بما ينسجم مع متطلبات المرحلة.
إن ما نحتاجه اليوم هو مراجعة جذرية في فكر وآليات عمل ديوان الخدمة المدنية، بحيث تُبنى قراراته على دراسات حقيقية -من دون تخبُّطات- وتُعاد هيكلة الأنظمة بما يضمن توظيف الكفاءات الوطنية بمواقعها الصحيحة. فلا يمكن الحديث عن تطوير إداري أو إصلاح مؤسسي طالما بقيت القرارات تُتخذ بمعزلٍ عن المنطق والتخطيط.
يمكن القول إن «تيمو» بات، بصورة رمزية، يتفوَّق على أوكسفورد وكيمبردج، بعدما أصبح معياراً يُقاس به واقع التوظيف لدينا، حيث تظل القرارات المتقلبة تجعل الموظفين في حالة دائمة من الذهاب والإياب، من دون وجهة واضحة ولا استقرار وظيفي.
بالقلم الأحمر: أقرَّ ديوان الخدمة المدنية ثلاث بصمات و3 تطبيقات خلال سنة واحدة، ولا موظف حكومياً- إلى اليوم- يعرف شالسالفة!