وشهد شاهد من أهلها، ما قاله ترامب من أن إسرائيل لا تستطيع أن تحارب العالم كله، وهي حقيقة واضحة للعيان في كل هذا الكون من شرق العالم وغربه ومن شماله وجنوبه، الذي خرج في عواصم الدنيا ومدنها جموعاً تهتف لحرية فلسطين، وذلك رغم أنه يخلط دائماً الأوراق بعضها ببعض، ويستجهل السامعين بقصص من نسج الخيال، أو من وحي الكراهية التي يتمتع بها ضد العرب والمسلمين بوجه عام، وضد الفلسطينيين بوجه خاص، فهو القائل في المؤتمر الصحافي الذي جمع بينه وبين كير ستارمر رئيس وزراء بريطانيا، في زيارته لبريطانيا، والتي جرى العرف على أن تكون أول زيارة للرئيس الأميركي بعد انتخابه حين وصف السابع من أكتوبر بأنه أبشع يوم في تاريخ البشرية، بدعوى كاذبة أن «حماس» قتلت في هذا اليوم في طوفان الأقصى الأطفال والنساء والشيوخ، وقد رفض الاعتراف بدولة فلسطين، لأن مثل هذا الاعتراف لا يحقق السلام فالقوة هي التي تحقق السلام في رأيه.
وكان نتنياهو قال قبل أيام إن إسرائیل نجحت في عزل «حماس»، وفي الخروج من عزلتها، فخيب ترامب ظنها، وبقيت إسرائيل في عزلة عن العالم كله، وهي لا تستطيع - كما قال ترامب - أن تحارب العالم كله.
وبينما غيَّر ترامب رأيه في إسرائيل فجأة، وبلا مقدمات، هل هي جائزة نوبل للسلام التي يسعى للحصول عليها، تمسك الفلسطينيون بأرضهم، رابضين فيها، رغم حرب الإبادة الجماعية التي شنتها عليهم إسرائيل، وبالتجويع وهدم المستشفيات ومراكز الإيواء، وقد دوى صوتهم وصراخهم وآلامهم في سماء الكرة الأرضية، قائلين للعالم: هذه بلادنا، وفيها وُجدنا منذ فجر التاريخ، وفيها لعبنا وعشقنا، نعيش منذ فجر العُمر في وجدانها، باقون في أزارها باقون وقد أسكرت حرب الإبادة ونصرها على شعب أعزل، نتنياهو، ومع ذلك استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تكبد إسرائيل في هذين العامين 100 مليار دولار خسائر في هذه الحرب، وأن تكبد أميركا 40 مليار دولار قيمة الأسلحة التي زودت بها إسرائيل، لقتل أكثر من 67 ألف شهيد، وضعفهم من الجرحى والمفقودين، وقد صعد من صعد منهم إلى السماء قناديل تضيء الطريق أمام غيرهم من أبطال غزة الصامدين، وكل قتيل وكل شهيد يزرع بدمه نبتاً لأبطال آخرين على الطريق.
والمقاومة الفلسطينية تخرج كالجن للجنود الإسرائيليين، كأنهم مدسوسون في الريح وفي الماء مدججون بالإيمان بالنصر، قائلة للعدو الإسرائيلي سنلاحقكم ويلاحقكم العالم كله وفي كل المطارات، وفي كل بطاقات السفر، وقد سرقتم وطناً وهدمتم المستشفيات وأن أميركا التي دعمتكم بالسلاح والمال ليست هي الله العزيز القدير، وإن موعدنا في تل أبيب «نصر من الله وفتح قريب»، ونحن باقون في المد والجزر، وفي البحر، وفي نومكم وصحوكم، وفي الأصداف والرمال، وفي تاريخ النضال والرمال والتحرر الوطني. باقون بالكوفية البيضاء التي أصبح يتحلى بها النشطاء السياسيون في كل أنحاء العالم، فلسطين التي كانت حلمكم للسيطرة منها على العالم أجمع سوف تتحول إلى حقل من الألغام. إننا باقون بعد عامين من الضياع والخراب، ومن حقدكم وكراهيتكم للبشرية جمعاء.
وأخيراً، اعترف الرئيس الأميركي، بعد أن شاهد بأم عينيه ما جرى في العيد الثمانين للأم المتحدة من مهرجان خطابي لقادة ورؤساء دول العالم في التعاطف مع فلسطين في هذا العيد الذي يصادف أيضاً الذكرى الأليمة لاغتصاب العصابات الصهيونية (الهاجاناه والأرجون وشتيرن) للأرض الفلسطينية بقرار أصدرته الأمم المتحدة في نوفمبر سنة 1947 بتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب، ذكرى المعاناة التي عاشها الشعب الفلسطيني خلال سبعة عقود، وقبلها عقدين تحت الانتداب البريطاني تمارس عليهم هذه العصابات نشاطها الإجرامي، لتكتسب شرعية الدولة بهذا القرار.
وقد كان هؤلاء القادة والرؤساء يلتهبون حماساً في إظهار تعاطفهم مع فلسطين وشعبها الذي تتم إبادته إبادة جماعية تحت سمع وبصر العالم.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذاتها، قد أصدرت قراراً بضم فلسطين إلى عضوية الأمم المتحدة بتاريخ 10 مايو 2024 وتسابقت الدول بعد هذا القرار إلى الاعتراف بدولة بفلسطين، وفي مقابل دعوة مبادرة ترامب الجيوش العربية والفلسطينية لحماية أمن إسرائيل والدفاع عنها وتحقيق أهدافها من حرب الإبادة الجماعية، التي فشل جيشها في تحقيقها.
وقد استيقظ ضمير العالم على مبادرة أخرى، قال بها الرئيس الكولومبي، في كلمته التي ألقاها بالأمم المتحدة، بدعوة جيوش العالم كله لتحرير فلسطين، والذي اعتبره تحريراً للإنسانية جمعاء.