نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا
بيتان رائعان من الشعر للإمام الشافعي، رحمه الله، قالهما قبل أكثر من 1200 عام، وكأنه يوجههما لنا، ولكل متخاذل أو فاشل، ولكل مَنْ يُلقي باللوم على غيره، متنصلاً من إخفاقاته وكبواته، ومن هزائمه، ومن تأخره عن ركب العلم والتطور.
فـ «نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا... وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا»، بيت لا يحتاج إلى أي توضيح، فهو حكمة عميقة، ونصيحة تدعونا إلى نقد الذات، وتحمُّل مسؤولية أعمالنا، لا الهروب منها، وإلقاء اللوم على الزمن، أو الدهر. إنه زماننا، ونحن المسؤولون الوحيدون عن تغييره، إن كان نجاحاً أو إخفاقاً، فلا تحزن إن فشلت، ولا تتوقف عن محاولة النجاح مرة ومرات، اعترف بالخطأ، فالاعتراف بالخطأ فضيلة، وهو أفضل من إلقاء اللوم على الآخرين، وهو علامة على تحمُّل المسؤولية، وهو أولى الخطوات إلى النجاح.
بدلاً من أن نعيب الزمان ونلعن الظلام، فليتحمل كلٌّ مسؤوليته، فكلنا راعٍ وكلنا مسؤول عن رعيته، وهل هناك أصدق من نبينا ﷺ حين قال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»؟. بل هناك نهي عن لوم الزمان أو الدهر في قوله ﷺ: «لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فإنَّ اللَّهَ هو الدَّهْرُ»، فليراجع كلٌّ نفسه، وليتحمل كلٌّ مسؤوليته، فهو مُخيَّر لا مُسيَّر.
وهناك أقوال حول تحمُّل المسؤولية ومحاسبة النفس، وتقبل النصيحة، فسيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: «لا خير في قوم ليسوا بناصحين، ولا خير في قوم لا يحبون النصيحة»، وقال أيضاً: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أنفسكم قبل أن تُوزَنوا، وتأهَّبوا للعرض الأكبر»، فضلاً عن النصيحة القائلة: «لا تُصَاحِبْ مَنْ لا يُحِبُّ مُحَاسَبَةَ نَفْسِهِ».
قائل «نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا» هو أبوعبدالله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ، وهو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السُّنة، إنه صاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، وهو أيضاً إمام في علمي التفسير والحديث. عمل قاضياً فعُرِف بالعدل والذكاء. وكان حكيماً وفصيحاً وشاعراً، وكان رامياً ماهراً، ورحّالاً مسافراً. أكثرَ العلماءُ من الثناء عليه، وقال عنه الإمام أحمد بن حنبل: كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس.
اللهم أبعدنا عن الذين يلقون باللوم على الزمان، أو على الآخرين، فهو مرض مُحبط وسيئ من الواجب التخلص منه، إنه أحد أسباب الفشل والتقهقر، وأحد علامات عدم الثقة بالنفس، فأضئ لك شمعة تساهم في قيادتك إلى الطريق الصحيح بدلاً من إهدار وقتك على لعن الظلام.