يحتفل العالم في الخامس من أكتوبر بـ «يوم المعلم العالمي»، مركِّزاً هذا العام على نقص أعداد المعلمين وجودة تكوينهم. وفي الكويت، يتجدَّد الحديث عن الميثاق الأخلاقي للمعلم، الذي يمثل إطاراً مثالياً للسلوك المهني، لكن يظل السؤال: هل استطاع الميثاق عبور الفجوة بين مثاليته الورقية وواقع الممارسة التربوية؟
الميثاق الأخلاقي للمعلم الكويتي وثيقة مرجعية تحدِّد مسؤولياته تجاه نفسه ومهنته ومجتمعه وطلبته. فهو يؤكد النزاهة والكفاءة وتحمُّل المسؤولية، ويحث على القدوة الحسنة واحترام الكرامة والعدل بين الطلبة، كما يدعو إلى التعاون مع الزملاء وأولياء الأمور، وبناء صورة إيجابية للمعلم في المجتمع. غير أن هذه المبادئ تصطدم بتحديات ميدانية تعوق تحقيقها الكامل.
من أبرز هذه التحديات ضغط العمل، وتكدُّس الفصول، مما يصعِّب مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة، إضافة إلى محدودية التدريب المهني المستمر، الذي يُعد شرطاً لتطبيق الكفاءة المهنية. كما يواجه المعلم ضعف مشاركة الطالب كشريك في العملية التعليمية، إذ تظل الممارسات التعليمية أسيرة التلقين، لا التعلم النشط، مما يقلل من فاعلية غرس القِيم الوطنية. كذلك تعاني العلاقة مع الأسرة والمجتمع ضعف التواصل الفعلي، فيتحوَّل الميثاق إلى وثيقة مثالية أكثر منه إطاراً تفاعلياً للعلاقة بين أطراف العملية التعليمية.
تُظهر المقارنات الدولية أن تفعيل الميثاق يتطلَّب دعماً مؤسسياً حقيقياً. ففي فنلندا، يُمنح المعلم استقلالية وثقة واسعة مع إعداد أكاديمي متقدِّم، فيما تعتمد سنغافورة على التنمية المهنية المستمرة، بوصفها استثماراً وطنياً طويل الأمد. أما بالكويت، فرغم وضوح الميثاق، يظل التطبيق مقيداً بمركزية القرار، وضغط المناهج، وضعف الحوافز، مما يقلل من قُدرة المعلم على ممارسة دوره المهني بحُرية وكفاءة.
ولتحويل الميثاق من نص مثالي إلى ممارسة واقعية، هناك حاجة إلى إجراءات عملية داعمة، أهمها:
1. تحويل المبادئ إلى مؤشرات أداء تربط النزاهة والكفاءة والعدل بمعايير قابلة للقياس في تقييم المعلم.
2. تطوير برامج تدريب مستمرة تركز على أخلاقيات المهنة واستراتيجيات التعليم النشط وإدارة الصف.
3. تعزيز الشراكة المجتمعية عبر تفعيل مجالس أولياء الأمور وبرامج التواصل المجتمعي.
4. إدماج الطالب كشريك فعلي، من خلال المناهج الحديثة، والتعلم القائم على المشروعات والمشكلات، بما يمنح المعلم استقلالية أكبر في اختيار طرائق التدريس.
يبقى الميثاق الأخلاقي للمعلم الكويتي وثيقة رفيعة، لكنه لن يحقق أثره المنشود، ما لم تُترجم مبادئه إلى سياسات تربوية وممارسات مؤسسية. فالقضية ليست في النصوص، بل في التطبيق، بتمكين المعلم ودعمه، ليكون فاعلاً تربوياً وأخلاقياً حقيقياً، يُسهم في بناء مجتمع التعلم والتنمية الوطنية.