قاعدة الكل أو لا شيء، (all or non rule)، هي مبدأ في علم وظائف الأعضاء درسناه في كلية الصيدلة، ينص على أن الألياف العصبية والبصرية إما أن تستجيب بشكل كامل للتحفيز أو لا تستجيب، حيث لا يوجد استجابة جزئية.

ومنذ السبعينيات كنت ألاحظ أن من الناس مَن يطبق هذه القاعدة في استجابته للأحداث والقضايا العامة، فموقفه إما مؤيد بالكامل أو معارض بالكامل، فلا يجزّئ موقفه بين القبول والرفض حسب الموضوع أو المصلحة العامة، فهناك مثلاً مَن هم ضد جميع الإسلاميين مهما قدموا وفعلوا، فهم في نظرهم أحزاب رجعية أو إرهابية، ولا يمكن أن يعترف هؤلاء بإيجابية أي عمل من الإسلاميين مهما كان مفيداً أو صادقاً في مجلس الأمة أو في العمل الخيري أو الاجتماعي، فلا شيء يمكن أن يحرك مجسات مشاعرهم تجاه مواقف الإسلاميين الجيدة.

Ad

كما لاحظت أن هناك مَن لا يمكن أن تحركهم جرائم الصهاينة في فلسطين، لأنهم ضد المقاومة مهما كانت أعمالها نتيجة ظلم وقهر وعذاب يقوم به الصهاينة منذ عقود، وما إن يحدث خطأ من الفلسطينيين إلا أذاعوا به في وسائل التواصل، في حين لا تحرك مجسات ضمائرهم جرائم نتنياهو وتصريحات توم براك المبعوث الأميركي للشرق الأوسط الذي قال قبل أيام إنه لا يوجد شرق أوسط، وإن الموجود هو مجرد قرى وقبائل وطوائف صنع حدودها الإنكليزي سايكس والفرنسي بيكو، وقال إنهم ليسوا أمة.

وهناك من الناس مَن هو مع الحكومة مهما تفعل وكأن عندهم (بلوك) على آرائهم يمنع ذكر السلبيات، وهناك أيضاً مَن هو ضد الحكومة مهما تفعل أو تقدم وكأن عندهم (بلوك) يمنع الثناء على الإيجابيات، فالأمر عند الفريقين إما سلبي لا يقبل الثناء وإما إيجابي معصوم لا يقبل النقد، مع أن الله ضرب لنا مثلاً بأن هناك من يخلط العمل الصالح والعمل السيئ، فقال سبحانه عن الثلاثة الذين تخلّفوا عن غزوة تبوك مع رسول الله «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ». ومن أقوال الشيخ ابن تيمية أن المسلم يجب أن نحبه ونواليه بقدر ما فيه من حسنات وأن نبغضه بقدر ما فيه من سيئات، فلا يوجد أسود أو أبيض إلا مع الكافر المعادي.

كما أن نقد بعض الظواهر العامة في المجتمع والمشاركة في ترشيد القرار مع الثناء على الإيجابيات مع الموالاة هو من الأمر بالمعروف والتواصي بالحق، والحكومة الحصيفة ترحب بأسلوب كهذا في النقد والتوجيه، وقد سعدت كثيراً بما انتشر في وسائل التواصل منذ يومين من مناشدة للسلطات بمنع دخول المدعو أحمد عامر الذي تمتلئ ندواته بالخرافات والمخالفات الخطيرة للدين الإسلامي، وهذه المطالبات التي نشرت بالدليل والأسلوب الصحيح شرعاً تعتبر بحق نموذجاً للإنكار العلني لظاهرة عامة مع الولاء والطاعة للنظام العام، وهذه المطالبة الرزينة تخرج عن قاعدة الكل أو لا شيء (all or non).