لم تعد كرة القدم اليوم مجرد لعبة، بل أصبحت صناعة ضخمة تتقاطع فيها الرياضة مع الاقتصاد والسياسة والإدارة الحديثة. وفي هذا السياق، باتت الحوكمة جزءاً لا يتجزأ من نجاح الأندية واستدامتها. غير أن ما حدث مؤخراً في نادي نوتنغهام فوريست الإنجليزي يعكس صورة مغايرة، تكشف كيف أن غياب الحوكمة قد يبدد إنجازات تحققت بشق الأنفس.

ففي خطوة مفاجئة، قرر رئيس النادي إقالة المدرب البرتغالي نونو إسبيريتو سانتو، رغم أن الإدارة قد مددت عقده في صيف 2025 حتى عام 2028، ورغم الإنجاز الكبير الذي حققه بإيصال الفريق إلى المركز السابع في الدوري الإنجليزي الممتاز في موسم 2025/2024.

القرار لم يكن فنياً ولا استراتيجياً، بل ارتبط بخلاف شخصي بين الرئيس والمدرب، وهو ما أثار جدلاً واسعاً بين جماهير النادي والمتابعين.

Ad

الشخصانية في القرار: من منظور الحوكمة، يعد هذا القرار نموذجاً لخطورة تغليب الشخصانية على المعايير المؤسسية. فحين يتخذ رئيس مجلس الإدارة قراراته بدافع الخلافات الشخصية أو الانتصار للنفس فقط، دون الرجوع إلى مؤشرات الأداء أو آراء اللجان الفنية المختصة، فإنه يضع المؤسسة كلها على المحك.

الخسائر المالية والاستراتيجية: إقالة مدرب ارتبط مع النادي بعقد طويل الأجل ليست مجرد خطوة إدارية، بل لها تبعات مالية جسيمة. فالنادي سيكون مضطراً لدفع تعويضات مالية ضخمة للمدرب وجهازه، إضافة إلى تكاليف التعاقد مع مدرب جديد وبناء خطة مختلفة قد لا تتماشى مع اللاعبين الحاليين. هذه التكاليف كان من الممكن تجنبها لو جرى التعامل مع الخلاف في إطار مؤسسي قائم على الحوكمة والشفافية.

وعلى الصعيد الاستراتيجي، فإنّ تغيير المدرب في وقت قصير يربك خطط الفريق ويهز استقراره الفني، وهو ما انعكس فعلياً في تراجع نتائج النادي منذ التغيير. وهنا يظهر كيف يمكن لقرار غير مهني أن يقوّض النجاح الرياضي وسمعة المؤسسة في آن واحد.

دروس من حوكمة الرياضة في بريطانيا: على الرغم من عدم انطباق مدونة حوكمة الرياضة في المملكة المتحدة (UK Code for Sports Governance) بشكل مباشر على الدوري الانجليزي الممتاز إلا أنها تؤكد على أن القرارات الاستراتيجية داخل الأندية يجب أن تُبنى على أسس شفافة ونزيهة وأنها تخضع للسياسات المعتمدة وتبتعد عن النزعات الفردية. فمجلس الإدارة مسؤول أمام الجماهير واللاعبين، وأي قرار ينحرف عن هذه المبادئ يضعف ثقة أصحاب المصلحة ويهدد استدامة النادي. وما جرى في نادي نوتنغهام فوريست يمثل مثالاً عملياً لانتهاك هذا المبدأ، حيث غابت العملية المؤسسية وحضر المزاج الشخصي.

الخلاصة: قرار إقالة نونو ليس مجرد حادثة رياضية عابرة، بل هو درس بليغ في الحوكمة المؤسسية. فالمؤسسات -أياً كان نوعها- حين تديرها النزعة الفردية وتغيب عنها المعايير المهنية، فإنها تعرض نفسها لخسائر مالية ومعنوية جسيمة. والنجاح لا يُبنى على المال وحده أو على سلطة القرار الفردي، بل على مؤسسات قوية، ومعايير شفافة، وفصل واضح بين العامل الشخصي والمؤسسي.

ولعل نادي نوتنغهام فوريست يقدم اليوم مثالاً صارخاً على أنّ غياب الحوكمة قد يحوّل إنجاز المركز السابع في الموسم السابق إلى ذكرى عابرة، ويضع النادي في مسار من النتائج المتواضعة التي تكلفه الكثير.

إنها رسالة واضحة: الحوكمة ليست ترفاً إدارياً، بل صمام أمان لأي مؤسسة تطمح لاستدامة النجاح.

*متخصص في الحوكمة وعضو معهد الحوكمة في بريطانيا وأيرلندا