تُعد العلاقات الإيرانية- الأميركية واحدة من أعقد الملفات في السياسة الدولية الحديثة، إذ تجمع بين تناقضات حادة حول البرنامج النووي الإيراني، والنفوذ الإقليمي، والعقوبات الاقتصادية التي أنهكت المجتمع الإيراني، وفي الوقت نفسه لم تحقق لواشنطن النتائج التي كانت تأملها.
منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 دخل الطرفان في دوامة من التصعيد المتواصل، تهديدات متبادلة، ومناورات عسكرية وسياسية جعلت المنطقة على حافة الانفجار في أكثر من محطة.
في ظل هذا السياق المضطرب برزت سلطنة عمان بدور الوسيط الهادئ، وهي الدولة التي عُرفت عبر تاريخها بسياسة الحياد الإيجابي، والقدرة على بناء الجسور مع الأطراف المتخاصمة. وقد منحتها طهران وواشنطن ما يُشبه التفويض الخاص لتنسيق المباحثات ونقل الرسائل، باعتبارها الطرف الأكثر قبولاً لدى الجانبين، والقادر على تمرير المواقف بعيداً عن الأضواء والإعلام.
هذا التفويض العماني لم يكن مفاجئاً، فمسقط تحتفظ بعلاقات متينة مع إيران، وفي الوقت ذاته تتعاون بشكلٍ وثيق مع الولايات المتحدة ودول الخليج، مما جعلها محطة آمنة للحوار السري والرسائل الحساسة.
ومع تصاعد الأحداث خلال عام 2025 انتقلت بعض الجولات التفاوضية إلى العاصمة الإيطالية (روما)، حيث جرى عقد لقاءات غير مباشرة بين الإيرانيين والأميركيين بوساطة عمانية.
اختيار روما لم يكن اعتباطياً، فهي ساحة مُحايدة لا تُثير الحساسيات الإقليمية، وتمنح المفاوضين مساحة أكبر للتحرُّك بعيداً عن الضغوط المباشرة.
في هذه الجولات لعبت عمان دور المنسق الدبلوماسي الذي يحاول ضبط مستوى الخطاب، وتمرير المقترحات، وإبقاء الطرفين على الطاولة، رغم التباينات الكبيرة.
أحداث روما عكست بوضوح أن هناك استعداداً لمواصلة الحديث، لكنها أظهرت أيضاً عُمق الخلافات. فإيران ما زالت ترى أن حقها في تخصيب اليورانيوم مسألة سيادية لا تحتمل النقاش، فيما تصر الولايات المتحدة على أن أي رفع للعقوبات يجب أن تقابله التزامات صارمة وقيود على برنامج التخصيب. الضغوط الداخلية تُضاعف من صعوبة التفاهم، ففي طهران يراقب المحافظون أي إشارة للتنازل على أنها خضوع للغرب، وفي واشنطن يقيّد الكونغرس والانتخابات القادمة أي خطوة جريئة من الإدارة. وإلى جانب ذلك كله تقف القوى الإقليمية، من إسرائيل إلى بعض دول الجوار، متأهبة لإفشال أي تسوية قد تُعيد التوازن في غير مصلحتها. ومع كل هذه العوائق يبقى التفويض العماني عامل استقرار نسبي، فهو لا يملك قوة الإلزام ولا القدرة على فرض حلول، لكنه يوفر للطرفين مخرجاً مؤقتاً من المواجهة المباشرة.
مجرَّد استمرار اللقاءات في روما يُعد نجاحاً نسبياً، لأنه يمنع انهيار قنوات التواصل، ويمنح فرصة لتبريد الأزمة. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل نشهد في قادم الأيام عودة الدور العماني من جديد بجولات تفاوضية مشابهة لروما، تستعيد بعض الأمل في تسوية جزئية على الأقل، أم أن المسار سيظل مجرَّد إدارة للأزمة وتأجيل للانفجار؟
المؤكد أن أحداث روما أثبتت أن الوساطة العمانية قادرة على صُنع الجسور، لكنها لا تضمن عبور الأطراف عليها، ما لم يمتلكوا شجاعة التنازل واتخاذ القرار.