غمرت الفرحة بعض الأصوات والأقلام باقتراض الكويت 11 مليار دولار، وكأنهم يقولون «يا فرحتنا» أصبحنا دولة مدينة! وسندفع قيمة الدين والفوائد فوقه ونحن مبسوطين وفرحانين!»، بينما الحقيقة أن وقوعنا في الدَّين العام هو نتيجة لأوضاع مالية واقتصادية تعب المخلصون في التحذير منها في تقارير كثيرة، فقالوا إنه لا يجوز أن يكون للدولة مصدر واحد فقط للدخل، وقالوا: لا يجوز أن تكون الدولة الموظِّف شبه الوحيد للعمالة الوطنية، ولا يجوز أن يتنافس أعضاء مجلس الأمة في تقديم وإقرار المشاريع الشعبوية الضارة، ولا يجوز بناء المباني والمشروعات الفاخرة التي يكلف بناؤها وصيانتها مبالغ كبيرة دون عائد اقتصادي حقيقي، ولا يجوز أن يتم إهمال الإصلاح الحقيقي في جميع أشكال النشاط الاقتصادي طوال هذه السنوات.
ولكن للأسف، تم إهمال جميع هذه التحذيرات البديهية وزادت المصروفات السنوية خلال عشرين عاماً من ملياري دينار إلى 25 ملياراً، بينما قلت عوائد المصدر الوحيد فعجزت عن تغطية المصروفات فذهبنا إلى الاقتراض بالفائدة، ومن الطبيعي أن ترحب البنوك العالمية بسرعة بإقراضنا لأننا نملك احتياطياً كبيراً (عينهم عليه)، ففرحنا بهذه النتيجة وكأننا نقول انتصرنا انتصرنا، رغم أن معظم مبلغ الدين قد يُصرف في مصروفات جارية، وكان الأولى دراسة أسباب العجز ومعالجتها بسرعة لا الفرح بالتحول إلى دولة مدينة.
ومِثل الترحيب بهذا القرض تم الترحيب الكبير بخطة ترمب للسلام في غزة التي هي نتيجة لأوضاع رديئة تعيشها الحكومات العربية التي طبّع بعضها مع الصهاينة، واعتمد البعض على الغرب لحمايته، ولم يعدوا العدة كما أمر الله، وحتى المؤتمر العربي والإسلامي في قطر لم يخرج بأي قرارات لدعم المقاومة أو افتتاح مكاتب لها في الدول الإسلامية من أجل خلق تنسيق إسلامي وعربي موحد في مواجهة الصهاينة كما ذكرت في مقال «قد أجرنا من أجرتِ يا قطر»، وكما قال ابن باز في شريط مصور عن نصرة فلسطين: «هل يستطيعون وهم على هذه الحالة من التفرق... وعدم تحكيم الشريعة من أكثرهم؟!».
دول كثيرة في العالم بنت اقتصادها وجيوشها وتحالفاتها في فترة قصيرة، وأصبحت قوة لا يستهان بها، مثل الصهاينة وإيران وغيرهما، لكن الدول العربية فشلت في ذلك فأصبحت متفرقة وضعيفة، لذلك من الطبيعي أيضا أن يرحبوا بمخرج لأوضاعهم، ولكنهم لم ينظروا إلى أسبابها.
المطلوب هو الإنكار على الأوضاع الاقتصادية وعلى أخطاء الدول العربية التي أدت إلى هذا الضعف المهين، والعمل على إصلاحها بالطرق المشروعة، بالإضافة إلى الإنكار على حماس وأخطائها.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث شهير: «ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم».
الخلاصة أن معالجة الأسباب أولى من القبول والفرح بنتائج تفرضها أوضاع لم يتم علاج أسبابها.