يشهد العالم تحولاً جذرياً بفعل الذكاء الاصطناعي، مما يضع الكويت أمام خيار حاسم: إما أن تجعل من هذه الثورة قوة للنمو الشامل يستفيد منها الجميع، أو أن تسمح بتفاقم الفجوة الرقمية بين فئات المجتمع.
الخيار الأول يتطلب استراتيجية متكاملة ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: التعليم، وشبكات الأمان الاجتماعي، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في الخدمات العامة.
لا يكفي اليوم تخريج متخصصين في البرمجة وعلوم البيانات، بل المطلوب نشر محو الأمية الرقمية على نطاق واسع.
يجب دمج مفاهيم الذكاء الاصطناعي والتفكير الحسابي في المناهج الدراسية منذ المراحل الأولى لتأهيل جيل قادر على التفاعل مع التقنيات الحديثة (Luckin et al.، 2022).
أما القوى العاملة الحالية فتواجه تحديا أكبر، مما يستدعي برامج إعادة تدريب تركز على المهارات التي يصعب على الذكاء الاصطناعي تقليدها، مثل: الإبداع، والتفكير النقدي، والذكاء العاطفي. الشراكات بين القطاعين العام والخاص والجامعات يمكن أن توفر تدريبًا عمليًا متجددًا يواكب متطلبات سوق العمل ويمنع تآكل المهارات التقليدية (World Economic Forum، 2023).
قد تؤدي التحولات الرقمية إلى فقدان وظائف تقليدية، مما يستدعي إنشاء صندوق وطني للتأمين ضد البطالة يوفر دعمًا ماليًا مؤقتًا مرتبطًا ببرامج إعادة تأهيل إلزامية.
كما يجب أن تتحول النظرة من الاعتماد على التوظيف الحكومي إلى تشجيع ريادة الأعمال، خصوصًا في الابتكار التكنولوجي، عبر تسهيل الإجراءات الإدارية، وتبسيط التشريعات، وتوفير التمويل الميسّر والدعم الفني. هذا التحول من «باحث عن وظيفة» إلى «صانع وظيفة» يقلل من الضغط على القطاع العام ويعزز حيوية الاقتصاد الوطني، ويخلق بيئة أعمال مرنة قادرة على المنافسة إقليميًا وعالميًا. ولكي يكون الذكاء الاصطناعي أداة للشمولية لا للتمييز، يجب توظيفه في الخدمات الأساسية: عبر التشخيص المبكر للأمراض وتخصيص العلاج بناءً على بيانات المرضى (Topol، 2019)، ومن خلال منصات تقدّم تعلمًا شخصيًا يسد الفجوات التعليمية (UNESCO، 2023)، وعبر أتمتة الإجراءات الحكومية بما يحد من البيروقراطية ويرفع كفاءة الخدمة العامة.
كما يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحسين البنية التحتية الذكية، ومراقبة استهلاك الطاقة والمياه، وتعزيز الأمن السيبراني لحماية البيانات الوطنية. أخطر ما يهدد المجتمعات في عصر الذكاء الاصطناعي هو الفجوة الرقمية. فالمواطنون الذين يفتقرون إلى المهارات الرقمية سيكونون عرضة للتهميش الاقتصادي والاجتماعي.
يحذر البنك الدولي من أن هذه الفجوة قد تتحول إلى انقسام طبقي جديد (World Bank، 2022).
تمتلك الكويت مقومات تؤهلها للريادة: رأسمال وفير يمكن استثماره في البنية التحتية الرقمية، وروح ريادية متجددة بين الشباب، وإمكانية دعم المشاريع الناشئة عبر مسرّعات وحاضنات أعمال. لكنّ النجاح مرهون بسرعة اتخاذ قرارات استباقية ومرنة. الخيار واضح: إما أن تتبنى الكويت سياسات تدعم الشمولية الرقمية وتصبح نموذجاً رائداً في المنطقة، أو أن تبقى رهينة البيروقراطية، بما يوسّع الفجوة ويُضعف موقعها في سباق الاقتصاد المعرفي العالمي.