* متى صدر ديوان «صندوق» لأول مرة؟ وما سبب اختيار اسمه؟

- صدر ديوان «صندوق» لأول مرة عام 2012، وكانت هناك أُمسية شعرية في دار الآثار الإسلامية تناولت هذا الديوان بتفاصيله، وكيف تناول موضوعات وأحاسيس مختلفة كثاني إصدار شعري يصدر لي بعد ديواني الأول (عويل لصمت لا يسمع)، الذي صدر عام 2009، وتراوحت أوجاعه بين مخاطبة الوجدان، والسير في دروب الحياة وملذاتها وتقلباتها، ليأتي «صندوق» ويفتح عن الحيوات الهاربة منَّا، والنار المتأججة التي تُعيد الدفء إلى ذاكرتنا المتخشبة، وتشعل شظية الشهوة التي نحتمي منها بدعاء أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم، عليه السلام، حتى لا تلتهمنا وتحرق أوصالنا.

Ad

* إذن الإصدار الحالي يقدِّم «صندوق» في حلة جديدة؟

- في البداية كان الديوان مثل كتابٍ فني يحتوي على لوحات ومقتنيات شخصية، حتى صدر في حلته الجديدة عن دار كلمات للنشر والتوزيع، أخيراً، ليكون مُتاحاً للقراء والمهتمين ومُحبي الشعر في الكويت والوطن العربي، الذين سيجدون من خلاله تجربة شعرية مختلفة تُخاطب الوجدان، وتلامس الشعور، وتشبع شغف اللغة الشعرية على عدة مستويات، ونافذة على العوالم الداخلية المكتومة في ديوان «صندوق».

* حدِّثينا عن محتويات «صندوق» أشعارك والأسرار المحفوظة بداخله.

- حين تطرَّقت إلى أشعار «صندوق» وجدت خلاله الحيوات الهاربة منَّا، في الذاكرة الماضية وحتى ذاكرتنا المستقبلية، وهنا تكمن المفاجأة، بل الصدمة أحياناً، فليس كل ما نهرب منه يكون خلفنا، بل أحياناً نهرب إلى المستقبل أو منه. ومن هنا يرصد الديوان حكاياتنا وأحلامنا الوردية والمُجهضة، حتى يشعر القارئ بأنه أمام مستودع من المشاعر والذكريات والآلام وتجاربنا الحياتية، فكل قصاصة حُب وكل وردة جافة تحمل العديد من الرسائل والمعاني، وكأنها جواهرنا المدفونة داخل صندوق من الذكريات.

* في بداية الكتاب رسالة رثاء لوالدتك... حدثينا عنها، وعمَّا داخل «صندوق».

- والدتي الشيخة أنيسة العبدالله الأحمد كانت مفتاح الصندوق، وعندها دائماً السر والجواهر المدفونة في داخلنا. لذلك، فإن افتتاح صندوق أشعاري لم يكن ممكناً قبل أن أبعث لها ببعض كلمات الوفاء والحُب الذي تعجز عنه الكلمات، لكنها تشير إليه بشكلٍ أو آخر. من هنا كانت والدتي في البداية، كعادتها دائماً، قبل كل شيء، وأجمل من كل شيء. من هنا بدأ رثاؤها في بداية الديوان كأنها تعرف.

كأنها تستعجل

رحلت بشموسها

حملت أقمارها

أطفأت نجومها

كأنّ الليل يسألني عنها

الحبُّ معلّقٌ عنوانُه تحت عباءتك

ذكرى قد غفلتُ عنها؟

كيف لي أن أروّض قصائدي التي تصهل بكاءً

وترمح شوقاً إليك؟

أمي... تحت عباءتكِ: قناديل حُب

وبعد أمي يأتي كل شيء حتى قصائدي

* «صندوق» اسم بسيط، لكن دلالاته عميقة، ما المعنى الخافي خلف قصائدك؟

- اختيار عنوان غير تقليدي للديوان كان مقصوداً، لأن بساطته في عُمق مُفرداته، يجد فيه القارئ عالمه الخاص وسط عوالم مختلفة في حياتنا ودروبنا، وكما قال الشاعر والأديب المغربي مراد القادري «أن تجد في الصندوق دمعة مخنوقة، وساعة واقفة فيها الوقت حلم أعوج»، لذلك نجد أن كل واحد يحمل في جعبته صندوقاً، سواء كان فيزيائياً أم معنوياً.

كما قِيل إن الكلام الذي خرج من القلب ولج إلى القلب، وإذا خرج من اللسان لن يتجاوز الآذان، فهذا الكلام الذي يخرج من الصندوق من المؤكد أنه سيخترق القلب وشرايينه وأوردته، موصلاً أبلغ المشاعر والأحاسيس الصادقة.

* بين صفحات «صندوق» تحوَّلت اللغة إلى وسيلة دفنٍ رمزي، لكنه دفنٍ واعٍ ينطوي في عُمقه على إحياءٍ آخر من نوع مختلف... كيف وصفتِ ذلك؟

- عندما تغدو الذات الشاعرة متماهية في اللحظة المعاصرة مُستبصرة محتوى ما بالأسطح وما بالأعماق، نجد في عالمنا الشعري المعاصر مثل هذه الزفرة اللغوية من دفن آهاتنا في صندوق، دمعة جافة، حلم موؤود، صرخة مكتومة.

«صندوق»... الصديق الصدوق، بهذه الشذرات الوجدانية المكثفة، فالشعر هنا لا يُكتب للزينة البلاغية، ولا للتماهي مع المجاز وحده، بل يتحوَّل إلى مساحة علاجية رمزية، يُودع فيها الإنسان جراحه، ويستبصر من خلالها إمكانيات الشفاء المعنوي والنفسي. فمن خلال التقاء الفكر بالمشاعر، والرمز بالوجدان، ينبض النص الشعري بطاقة تتجاوز البوح، لتغدو ممارسة وجودية علاجية تكشف وتواسي وتحرّر، فالديوان يضيء على الطاقات العلاجية الكامنة في المحتوى الشعري النابض بالفكر والمشاعر، كما يتجلَّى في ديوان «صندوق»، حيث تسكن اللغة في صندوق الذات، لكنها لا تبقى أسيرة له، بل تخرج صوتاً شافياً، ونداءً إنسانياً في عالم مضطرب.