أثارت جريمة اغتيال تشارلي كيرك عاصفة سياسية وإعلامية في الولايات المتحدة، وأعادت الجدل حول حدود حُرية التعبير. ففي برنامجه على قناة ABC، سارع المذيع جيمي كيميل إلى اتهام القاتل بأنه ينتمي إلى «عصابة ماجا»، وهو ما ثبت لاحقاً عدم صحته. الغضب اليميني كان واسعاً، وتم تعليق كيميل أسبوعاً قبل أن يعود إلى الشاشة، لكن ذلك فتح باباً لمطالبة بعض المحافظين بمعاقبة القناة بشكلٍ أشد.

هارفي سيلفرغليت، المحامي البالغ 83 عاماً وأحد أبرز المدافعين عن الحُريات المدنية، يرى أن تعليق كيميل كان قراراً سيئاً استُجيب فيه لضغط حكومي، لكنه يرفض بشدة أي مسعى لتحويل هذه الواقعة إلى ذريعة لقمع حُرية التعبير. ويقول: «حُرية التعبير هي ما تنقذنا من الحرب الأهلية»، محذراً من تصريحات رئيس لجنة الاتصالات الفدرالية، الذي هدَّد باتخاذ إجراءات ضد ABC، واصفاً تلك التهديدات بأنها «غير دستورية».

سيلفرغليت يصف نفسه بأنه «ليبرالي ليبرتاري»، وقد أسس قبل ربع قرن مع المؤرخ آلان تشارلز كورس منظمة «فاير» للدفاع عن حُرية التعبير، بعد أن تلقيا شكاوى من طلاب وأكاديميين يتعرَّضون للرقابة في الجامعات. توسعت المنظمة عام 2022، لتُصبح رقيباً وطنياً على حُرية التعبير، بعدما تراجع الاتحاد الأميركي للحُريات المدنية – وفق سيلفرغليت – عن دوره التاريخي لمصلحة أجندة سياسية يسارية.
Ad


ويقول إن تعليق كيميل مثال خطير على خضوع الشركات الإعلامية لضغوط الحكومة: «لا يمكن أن نعيش في بلد يقرر فيه الرئيس مَنْ يحق له الظهور على الشاشات». لكنه يرفض تصوير الوضع وكأن حُرية التعبير على وشك الانهيار، مشيراً إلى أن تاريخ الولايات المتحدة شهد دورات صعود وهبوط، لكنها صمدت على المدى الطويل.

الجديد اليوم، برأيه، أن اليمين بدأ يستخدم أسلحة القمع ذاتها التي اشتهر بها اليسار، وهو تطوُّر خطير: «الطريقة الصحيحة لمواجهة القمع ليست بتقليد خصومك، بل بتأكيد القواعد المحايدة التي تحمي الجميع». ويرى أن كثيراً من ممارسات اليسار الرقابية تعود إلى تأثير الفيلسوف اليساري هربرت ماركوز، الذي جادل بأن حُرية التعبير تعزز مصالح القوى المهيمنة، فبرَّر تقييد خطاب المعارضين. ويعتبر سيلفرغليت أن هذه النظرية «عبثية»، ويجب مواجهتها.

ويرى أن اغتيال كيرك جعله شهيداً لحُرية التعبير، مشيداً بقدرته على مناظرة خصومه اليساريين بمدنية واحترام، حتى مع خلافه العميق معهم. ويؤكد أن على المحافظين أن يقاوموا إغراء الرد بالمثل: «إنه واجب – واجب على اليمين – أن يحمي ما لم يعد اليسار يحميه. فحُرية التعبير مبدأ محافظ في جوهره، وحمايتها تصب في مصلحة الأمة كُلها».

ويعتقد أن التزام اليمين بحماية حُرية التعبير قد يساعد التيار المعتدل داخل الحزب الديموقراطي على استعادة زمام المبادرة من الجناح الأكثر راديكالية. كما يدعو إلى اعتماد «بيان شيكاغو» على مستوى وطني، على غرار ما أصدرته جامعة شيكاغو عام 2015، والذي شدَّد على أن المؤسسات ليست مسؤولة عن حماية الأفراد من الأفكار التي يجدونها مزعجة أو مسيئة. ويقترح إصدار إعلان مشابه على مستوى الدولة يضع حداً لتدخل الحكومة في الخطاب العام.

ويختم سيلفرغليت بتأكيد أن المجتمع السليم يحتاج إلى «جلد سميك» لا إلى قوانين تُرضي أصحاب الجلود الرقيقة، لأن سنّ القوانين على مقاس أكثر الناس حساسية يقود إلى الاستبداد: «من الأفضل أن نعيش في مجتمعٍ يستطيع الجميع وصف بعضهم بعضاً بالفظائع على أن نعيش في مجتمعٍ يُمنع فيه الجميع من الكلام، فذلك وحده ما يُبقي أميركا حُرة».

* تونكو فاراداراجان مساهم في صحيفة وول ستريت جورنال، وزميل في معهد أميركان إنتربرايز، ومعهد كلاسيكال ليبرال بكلية الحقوق في جامعة نيويورك