كان يفترض أن تكون زيارة ترامب لبريطانيا، أول زيارة يجريها أي رئيس أميركي، بعد انتخابه بحكم العلاقات التاريخية بين البلدين، فالثورة الأميركية (1883) هي التي ورثت حكم بريطانيا الإمبريالي في القارة الأميركية، لكنه اختار الخليج، فهو رجل أعمال، والخليج مليء بالثروات، ولكنها زيارة تاريخية حتمية، كانت خاتمتها مؤتمر صحافي أعلن فيه كل من الرئيس الأميركى ورئيس وزراء بريطانيا خلافهما علنا بشأن القضية الفلسطينية، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد ندّد ترامب بهذا المؤتمر في إجاباته عن أسئلة الصحافيين، بيوم السابع من أكتوبر 2023، واصفا إياه بأنه كان أبشع يوم في تاريخ البشرية، في غيبوبته المستمرة عن حرب الإبادة الجماعية، جاوزت هذا اليوم البشع على حد تعبيره.

700 يوم يُقتل فيه كل يوم عشرات، بل مئات المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، وتُدمَّر غزة عن بكرة أبيها.

Ad

اعتراف بريطانيا: ولم يكن اعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية، يدخل في مصافّ اعتراف أكثر من مئة وخمسين دولة بها، بل نزل هذا الاعتراف على إسرائيل ونتنياهو نزول الصاعقة في حرب نفسية تخوضها إسرائيل الآن، ضد عزلتها عن العالم كله.

فوعد بلفور الصادر في الثاني من نوفمبر عام 1917، الذى أعلنت فيه بريطانيا تعاطفها مع الأماني اليهودية في إقامة وطن قومى لليهود في فلسطين، في رسالة وجهها وزير الخارجية البريطاني بلفور إلى المليونير البريطاني اليهودي المعروف، اللورد روتشيلد، أبلغه فيها بتعاطف مجلس الوزراء وجلالة ملك بريطانيا مع هذه الأماني، وهو التاريخ الذي بدأ فيه التحالف الثلاثي الشرير بين الإمبريالية العالمية والصهيونية العالمية، والرأسمالية العالمية، ممثلة في روتشيلد، ليتخذ الطريق الممهد لإنشاء هذه الدولة من خلال إقرار صك الانتداب البريطاني على فلسطين، بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الثانية.

وقد تلا ذلك دعوة رئيس الوزراء البريطاني عام 1939 إلى زرع كيان يهودي استيطاني في فلسطين، ليكون حاجزا بين مصر وبين المشرق العربي، وخط دفاع الإمبريالية ضد حركات التحرّر والقومية والوحدة العربية، وهي السياسة التي اتّبعها من تلاه من رؤساء وزراء بريطانيا.

وكانت لجنة بيل التي شكّلتها حكومة الانتداب البريطاني عام 1937 قد انتهت الى مشروع تقسيم فلسطين الى دولة يهودية على الأراضي الزراعية الخصبة، ودولة فلسطينية على الأراضي الصحراوية الجرداء.

وقد كانت أميركا وبريطانيا وفرنسا وجنوب إفريقيا هي المراكز الرئيسية للصهيونية العالمية، بالرغم من قلّة عدد اليهود في بريطانيا وجنوب إفريقيا.

مبادرة ترامب... سلام أم حرب؟

تلك المبادرة التي دعا اليها بعض ممثلي الدول العربية والإسلامية، والتي كانت فيها الرمزية واضحة، فالوحيد الذى جلس إلى جوار ترامب في صدارة الطاولة، التي جلس حولها ممثلو بعض الدول العربية والإسلامية، كان أردوغان، والرمزية هنا أنه عضو في حلف ناتو الأوروبي، وقد تخلّى الاتحاد الأوروبي عن مواقف ترامب وسياسته الهوجاء في العالم كله.

وشر البليّة ما يضحك، فقد تضمّنت خطة ترامب لإحلال السلام في الشرق الأوسط وإنهاء الحرب في فلسطين، إعلان حرب بالوكالة عن إسرائيل، من خلال قيام جيوش عربية وإسلامية تحت قيادة أميركية، بإعلان الحرب على «حماس» لنزع سلاحها والإفراج عن الرهائن، لتحقق هذه الجيوش هدفين عجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيقهما بالأسلحة الأميركية والغربية، التي تتدفق عليه من كل أنحاء العالم طوال سنتين.

أولهما: الإفراج عن الرهائن خلال 20 يوماً.

ثانيهما: نزع سلاح «حماس» والقضاء عليها، وحرمانها من أن يكون لها أي دور في إدارة شؤون قطاع غزة.

أما انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع فيتم تدريجيا، وعلى هوى إسرائيل، فهي لا تلتزم بأي شيء ولا تتقيد بأي ميعاد لهذا الانسحاب.

أهناك هذيان أكثر من هذه المبادرة؟ أهي استمرار للحرب تحت مظلة «السلام»؟ وقد اعتبرته هذه المبادرة شعارا أجوف بلا مضمون أو محتوى، أو عقل ترامب الباطن وهو أحد المرشحين لنيل جائزة نوبل للسلام.

ترامب لم يقرأ التاريخ: ذلك أن فلسطين التي يُراد من هذه المبادرة محوها من الذاكرة ومن كتب التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية، ومن الثقافة العربية والإسلامية بوجه عام هي في وجدان كل عربي وكل مسلم في كل بقاع العالم، وهي مكوّن رئيسي في وجدان الأمتين العربية والإسلامية وفي العقيدة الوطنية للجيوش العربية والإسلامية.

إن الشعب الفلسطيني الذي تجاهلته هذه المبادرة تماما وتجاهلت أسراه في السجون الإسرائيلية، الذين قضى بعضهم عقودا في الأسر، وأن السابع من أكتوبر 2023 الذي وصفه ترامب بأبشع يوم في تاريخ البشرية، هو يوم العزّة والكرامة العربية، وقد اعتبره أحد المفكرين والكتّاب الإسرائيليين على صفحات جريدة هآرتس الإسرائيلية بأنه يوم حصاد معاناة الشعب الفلسطيني على مدى سبعة عقود من الزمن من قتل وجرح وتنكيل وتشريد وأسر في السجون الإسرائيلية، حتى وصف أحدهم الشعب الفلسطيني، على الصحيفة ذاتها، بأنه أفضل شعب في العالم بهذا الصمود الخرافي، وقد قارب عدد شهدائه وجرحاه ربع مليون فرد، فضلا عن الذين يموتون صرعا، فترامب كرجل أعمال لا يرى في غزة إلّا أرضا متنازعا عليها خلال سبعة عقود، فهي مشروعه الاستثماري لنيل جائزة نوبل للسلام، وهو أحد المرشحين لها.

وللحديث بقية... إن كان في العمر بقية.