لا ينكر عاقل أن العالم بعد السابع من أكتوبر لم يعُد كما كان، ولا يجهل أحد مصطلح المقاطعة، الكل يشهد الأحداث والتحرك غير المسبوق الذي عصف بالأمم والشعوب والحكومات والمنظمات في قضية فلسطين.

انضمت حشود عالمية إلى تطبيق المقاطعة، وتعددت أقسامها، واتجه جمهور إلى الاستهزاء بها. في الحقيقة أن المقاطعة ليست أمراً مستحدثاً ولا موجة كما يظن البعض جهلاً واستغباءً! وليست خدعة كما يتوهم البعض الآخر.

المقاطعة سلاح معروف ومنهجية مألوفة للغاية في العالم الغربي. لها أسباب ومُنطلقات، ولها أهداف وغايات، تحرّكها إرادة حرة، وتنبُع من وعي وجرأة، فيها مطالبات ولها صوت واضح جدا، وتحوّل على المديين القريب والبعيد.

Ad

المقاطعة تتخذ أشكالاً عدة، وبعضها يقترن بمسيرات وإضرابات! أو تظاهرات وحملات. وتتوسع وتنتشر، تكشف عن حقائق غائبة، أو تشرح تفاصيل، وتعمل على تحسين الإدراك وتحقيق الصحوة بين العامة، لأن الأموال والسلطة تتركز في يد الخاصة، وتجعل لفئة العاملين/ المستهلكين/ المستضعفين دوراً وتأثيراً.

قبل عامين كنت أبحث عن علامة تجارية رياضية اعتدت الشراء منها طوال حياتي، فانتبهت إلى تذكيرات بمقاطعتها! حوّلت بحثي إلى تلك الجزئية لأفاجأ بأن العلامة دخلت في قضايا منذ عام 2003 حول استخدامها لجلد حيوان الكنغر في صناعة تشكيلة خاصة من الأحذية! كان موضوعاً طويلاً وطلبات استئناف وفضائح وتبريرات، كما شملت علامات أخرى، بيد أنها انسحبت لتنامي غضب الزبائن!

خلال العقد الأخير من الزمن، اختفت علامات تجارية معروفة، وذلك لوجود منافسة شديدة حديثة متمثلة في المشاريع الصغيرة والنمو الهائل لأسواق (أون لاين). لم تصمد تلك العلامات العريقة! فقد تغيّرت المفاهيم، واقتحم «العامة» مجال المال والأعمال!

مر زمن طويل مذ قاطعت إحدى شركات الأغذية المحلية التي لها تاريخ طويل وجمعها بين الجودة والسعر، إلّا أن هذا لم يشفع لها مقابل سقوطها مهنياً في خدمة العملاء! فقررت ألا يصلها فلس من أموالي، ووجدت بديلاً وطنياً تفوّق عليها في الجودة والتعامل.

الأساس في المقاطعة المبادئ الأخلاقية، والرغبة في تحسين أوضاع المعيشة، أو الحفاظ على البيئة، ففيها رفض للعدوان والإيمان بالحقوق، وبالمسؤولية. هي احترام للذات وموقف شخصي جداً ينتصر فيه الإنسان لضميره دون التركيز على النتائج.

ولو تعمقنا في حركات المقاطعة لوجدناها حاضرة، تتنوع وتنجح في دول الغرب التي يحب البعض أن يستورد منها كل شيء جدلي، إلّا الأفكار المفيدة!

إن الاعتقاد بعجز المقاطعة سفاهة وخنوع! فلغة المال لا تفوّت فلساً واحداً، إننا نشهد إغلاقات مستمرة لمطاعم ومقاهٍ حول العالم، ونراها لجأت إلى العروض والخصومات وتوزيع القسائم الشرائية، فضلاً عن الإعلانات المتناقضة التي تكشف محاولات بائسة في تورية الخسائر.