تشير البيانات التي نشرها بنك الكويت المركزي بشأن أدوات الدَّين العام الى أن البلاد استدانت خلال 3 أشهر ماضية نحو 1.3 مليار دينار كإصدارات دَين محلية مختلفة آماد السداد بين سنة و10 سنوات، ومتنوعة التسعير بين 4.375 و5.375 بالمئة، في حين بلغت نسبة تغطية هذه الإصدارات ما بين نحو 6 و12 ضعف الطلب.
وتأتي هذه الإصدارات المتتالية عقب إقرار القانون رقم 60 لسنة 2025 بشأن التمويل والسيولة (الدين العام) بعد نحو 8 سنوات من آخر إصدار لدَين سيادي عام 2017، حيث يتيح القانون الجديد الاقتراض الى سقف يصل الى 30 مليار دينار بآجال استحقاق تمتد حتى 50 عاماً، في وقت تتزايد ضبابية إنفاق هذه الأموال المتأتية من الاستدانة، ومدى كفاءة الاستفادة منها على صُعد الإصلاح الاقتصادي والمالي والتنموي.
فارق النموذجين
ومن المهم تأكيد أن الدَّين العام بحد ذاته هو أداة للتمويل تستخدمها معظم دول العالم لتوفير سيولة تدعم مشاريع تنمية اقتصادها، وهذه الإصدارات للديون السيادية هي التي تقود اقتصاديات ضخمة كالولايات المتحدة واليابان وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وهي أيضاً التي تسببت في انهيارات أو ضغوط اقتصادية ومالية صعبة على دول مثل اليونان وفنزويلا والأرجنتين، وأيضا لبنان ومصر... والفارق بين النجاح والفشل في النموذجين هو مدى جودة الإدارة العامة، وتحديداً كيفية توجيه أموال الاستدانة إلى تحقيق منافع اقتصادية للمجتمع على المديين المتوسط والطويل.
ومن اللافت أن إصدار قانون التمويل والسيولة، وبالتالي البدء في الاقتراض، لم يوافقه إصدار خطة اقتصادية واضحة تضمن جودة إنفاقه أو تحقيق أهدافه. تضارب المعلومات
ولعل في تضارب المعلومات بشأن أوجه إنفاق الدين العام في الكويت ما يثير مجموعة من التساؤلات حول تناقص مستوى الشفافية بالتوازي مع ارتفاع معدلات الاستدانة خلال الأشهر الأخيرة، فحسب وزارة المالية التي عقدت مؤتمراً صحافياً عند إقرار قانون الدّين العام، فإن أموال القروض السيادية الجديدة ستوجه الى المشاريع المدرجة في ميزانية 2025/ 2026 وقيمتها 2.3 مليار دينار، أي ما يُعرف بـ «الإنفاق الرأسمالي على المشاريع»، في حين أن القانون نفسه المنشور في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) عدّد أوجه إنفاق أموال الدَّين العام بمصروفات تتعلق بسداد الالتزامات الحكومية دون تأكيد توجيهها إلى المشاريع، فضلاً عن تمويل الميزانية العامة، أي العجز المتوقع، إلى جانب إعادة تمويل الدين العام واستبداله بدَين آخر.
وفي خضم التناقض حول أوجه إنفاق الدين العام بين وزارة المالية ونص القانون، جاء تقرير وكالة التصنيف الائتماني «فيتش»، التي تعد تقاريرها في العادة بناء على لقاءاتها وانطباعاتها مع المسؤولين والمطلعين، ليشير إلى أن الكويت سوف تموّل 70 بالمئة من عجز الموازنة المقدّر بـ 6.3 مليارات دينار عن طريق إصدرات الدين العام.
قياس الجودة
ومع تأكيد أن جودة الإنفاق المالي؛ سواء كانت متأتية من استدانة سيادية أو إيرادات عامة معظمها نفطي أو أي مصدر آخر، لا تقاس بالضرورة بمدى الإنفاق على المشاريع والمناقصات، ما لم يكن هذا الإنفاق مساهماً في معالجة اختلالات الاقتصاد كجلب الإيرادات غير النفطية أو خلق فرص عمل للكويتيين في القطاع الخاص، أو رفع نسبة القطاع الخاص المنتج في الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن جذب الاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا، وفتح أملاك الدولة للمبادرات والمنافسة... ومع تأكيد ذلك، فبكل تأكيد يُعد توجيه أموال الديون السيادية لتمويل مصروفات جارية أمراً سلبياً يرفع من مخاطر المالية العامة والاقتصاد عموماً.
استنفاد وضغوط
فالكويت بين عامي 2014 و2020 استنفدت كامل قيمة سيولة الاحتياطي العام، الى جانب عملية مبادلة النقد بالأصول مع صندوق احتياطي الأجيال بما يصل الى 60 مليار دينار، فضلاً عن أموال القرض السيادي لعام 2017 وقيمته 8 مليارات دولار كلها لمصلحة تمويل عجوزات الميزانية أو تغطية مصروفات خارج الميزانية ولم يُستَفد من أموال مدخرات الفوائض النفطية أو الديون السيادية في إحداث أي معالجة اقتصادية جوهرية، رغم مليارات الدنانير التي أنفقتها المالية العامة، وبالتالي، فإن تكرار خطأ السنوات الماضية في إنفاق الديون السيادية على مصروفات جارية أو غير ضرورية، ولا تدعم الاستدامة سيكون استمراراً في الخطأ، ولكن بتكلفة أعلى، ليس فقط على صعيد تسعير الاقتراض، إنما أيضاً على مرونة التعامل مع تطور التحديات المالية والاقتصادية، لا سيما مع الضغوط التي تشهدها أسعار النفط.
دعم استثنائي
وأسعار مصدر الدخل الأساسي وشبه الوحيد للكويت، أي النفط، رغم أنها تحظى بدعم استثنائي نتيجة تعثّر مفاوضات وقف الحرب الروسية - الأوكرانية، وبعض التوترات في منطقة الشرق الأوسط، فإنها في المقابل تقع تحت ضغوط تزايد إنتاج مجموعة أوبك بلس، فضلاً عن السياسات العلنية لرئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب باستهداف برميل نفط منخفض، ويبلغ سعر برميل النفط الكويتي حسب سعر أمس الأربعاء
(70.45 دولاراً)، أي أقل من سعر التعادل في ميزانية السنة المالية 2025 - 2026 بنحو 20 دولاراً، وأعلى من سعر الأساس المتحفظ في الميزانية نفسها بـ 2.4 دولار فقط... وقد سبق خلال السنة الحالية أن انخفض سعر برميل النفط الكويتي عن السعر المتحفظ، مما يشير في ظل اتجاهات أسعار النفط الحالية إلى أن العجز المالي المتوقع هذا العام سيتراوح بين 5 و6 مليارات دينار، في حين أعلنت وزارة المالية أنها ستقترض هذه السنة ما بين 3 و6 مليارات؛ اقترضت منها بالفعل 1.3 مليار... وكلما تعرّضت أسعار النفط للضغوط في ظل محدودية الإصلاح الاقتصادي كانت قابلية الإدارة العامة للاقتراض أكبر، لكن بضغوط سوق أكثر وتكلفة أعلى.
جودة وحصافة
إن جودة إدارة الدَّين العام وشفافية مصروفاته وكفاءة ربطه باحتياجات الاقتصاد ومعالجة اختلالاته تتجاوز من حيث الأهمية حجم الإصدارات أو تسعيرها أو مدة سدادها، فلا المالية العامة باتت تتمتع بمرونة السيولة النقدية السهلة التي توافرت من تراكم مدخرات سنوات الفوائض النفطية، ولا أسعار النفط أو توقعاتها تشير إلى سهولة أدائها الدور المعتاد كإبرة تخدير تتجاوز بها مخاطر أمراضنا الاقتصادية... وهذا ما يجعل حصافة التعامل مع الدين العام مسألة جوهرية لمنع الانزلاق إلى فخ الديون السيادية الذي دمّر مالية واقتصاد العديد من الدول، بعكس الغرض الذي اقترضت من أجله.
وتأتي هذه الإصدارات المتتالية عقب إقرار القانون رقم 60 لسنة 2025 بشأن التمويل والسيولة (الدين العام) بعد نحو 8 سنوات من آخر إصدار لدَين سيادي عام 2017، حيث يتيح القانون الجديد الاقتراض الى سقف يصل الى 30 مليار دينار بآجال استحقاق تمتد حتى 50 عاماً، في وقت تتزايد ضبابية إنفاق هذه الأموال المتأتية من الاستدانة، ومدى كفاءة الاستفادة منها على صُعد الإصلاح الاقتصادي والمالي والتنموي.
فارق النموذجين
ومن المهم تأكيد أن الدَّين العام بحد ذاته هو أداة للتمويل تستخدمها معظم دول العالم لتوفير سيولة تدعم مشاريع تنمية اقتصادها، وهذه الإصدارات للديون السيادية هي التي تقود اقتصاديات ضخمة كالولايات المتحدة واليابان وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وهي أيضاً التي تسببت في انهيارات أو ضغوط اقتصادية ومالية صعبة على دول مثل اليونان وفنزويلا والأرجنتين، وأيضا لبنان ومصر... والفارق بين النجاح والفشل في النموذجين هو مدى جودة الإدارة العامة، وتحديداً كيفية توجيه أموال الاستدانة إلى تحقيق منافع اقتصادية للمجتمع على المديين المتوسط والطويل.
ومن اللافت أن إصدار قانون التمويل والسيولة، وبالتالي البدء في الاقتراض، لم يوافقه إصدار خطة اقتصادية واضحة تضمن جودة إنفاقه أو تحقيق أهدافه. تضارب المعلومات
ولعل في تضارب المعلومات بشأن أوجه إنفاق الدين العام في الكويت ما يثير مجموعة من التساؤلات حول تناقص مستوى الشفافية بالتوازي مع ارتفاع معدلات الاستدانة خلال الأشهر الأخيرة، فحسب وزارة المالية التي عقدت مؤتمراً صحافياً عند إقرار قانون الدّين العام، فإن أموال القروض السيادية الجديدة ستوجه الى المشاريع المدرجة في ميزانية 2025/ 2026 وقيمتها 2.3 مليار دينار، أي ما يُعرف بـ «الإنفاق الرأسمالي على المشاريع»، في حين أن القانون نفسه المنشور في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) عدّد أوجه إنفاق أموال الدَّين العام بمصروفات تتعلق بسداد الالتزامات الحكومية دون تأكيد توجيهها إلى المشاريع، فضلاً عن تمويل الميزانية العامة، أي العجز المتوقع، إلى جانب إعادة تمويل الدين العام واستبداله بدَين آخر.
وفي خضم التناقض حول أوجه إنفاق الدين العام بين وزارة المالية ونص القانون، جاء تقرير وكالة التصنيف الائتماني «فيتش»، التي تعد تقاريرها في العادة بناء على لقاءاتها وانطباعاتها مع المسؤولين والمطلعين، ليشير إلى أن الكويت سوف تموّل 70 بالمئة من عجز الموازنة المقدّر بـ 6.3 مليارات دينار عن طريق إصدرات الدين العام.
قياس الجودة
ومع تأكيد أن جودة الإنفاق المالي؛ سواء كانت متأتية من استدانة سيادية أو إيرادات عامة معظمها نفطي أو أي مصدر آخر، لا تقاس بالضرورة بمدى الإنفاق على المشاريع والمناقصات، ما لم يكن هذا الإنفاق مساهماً في معالجة اختلالات الاقتصاد كجلب الإيرادات غير النفطية أو خلق فرص عمل للكويتيين في القطاع الخاص، أو رفع نسبة القطاع الخاص المنتج في الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن جذب الاستثمار الأجنبي والتكنولوجيا، وفتح أملاك الدولة للمبادرات والمنافسة... ومع تأكيد ذلك، فبكل تأكيد يُعد توجيه أموال الديون السيادية لتمويل مصروفات جارية أمراً سلبياً يرفع من مخاطر المالية العامة والاقتصاد عموماً.
استنفاد وضغوط
فالكويت بين عامي 2014 و2020 استنفدت كامل قيمة سيولة الاحتياطي العام، الى جانب عملية مبادلة النقد بالأصول مع صندوق احتياطي الأجيال بما يصل الى 60 مليار دينار، فضلاً عن أموال القرض السيادي لعام 2017 وقيمته 8 مليارات دولار كلها لمصلحة تمويل عجوزات الميزانية أو تغطية مصروفات خارج الميزانية ولم يُستَفد من أموال مدخرات الفوائض النفطية أو الديون السيادية في إحداث أي معالجة اقتصادية جوهرية، رغم مليارات الدنانير التي أنفقتها المالية العامة، وبالتالي، فإن تكرار خطأ السنوات الماضية في إنفاق الديون السيادية على مصروفات جارية أو غير ضرورية، ولا تدعم الاستدامة سيكون استمراراً في الخطأ، ولكن بتكلفة أعلى، ليس فقط على صعيد تسعير الاقتراض، إنما أيضاً على مرونة التعامل مع تطور التحديات المالية والاقتصادية، لا سيما مع الضغوط التي تشهدها أسعار النفط.
دعم استثنائي
وأسعار مصدر الدخل الأساسي وشبه الوحيد للكويت، أي النفط، رغم أنها تحظى بدعم استثنائي نتيجة تعثّر مفاوضات وقف الحرب الروسية - الأوكرانية، وبعض التوترات في منطقة الشرق الأوسط، فإنها في المقابل تقع تحت ضغوط تزايد إنتاج مجموعة أوبك بلس، فضلاً عن السياسات العلنية لرئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب باستهداف برميل نفط منخفض، ويبلغ سعر برميل النفط الكويتي حسب سعر أمس الأربعاء
(70.45 دولاراً)، أي أقل من سعر التعادل في ميزانية السنة المالية 2025 - 2026 بنحو 20 دولاراً، وأعلى من سعر الأساس المتحفظ في الميزانية نفسها بـ 2.4 دولار فقط... وقد سبق خلال السنة الحالية أن انخفض سعر برميل النفط الكويتي عن السعر المتحفظ، مما يشير في ظل اتجاهات أسعار النفط الحالية إلى أن العجز المالي المتوقع هذا العام سيتراوح بين 5 و6 مليارات دينار، في حين أعلنت وزارة المالية أنها ستقترض هذه السنة ما بين 3 و6 مليارات؛ اقترضت منها بالفعل 1.3 مليار... وكلما تعرّضت أسعار النفط للضغوط في ظل محدودية الإصلاح الاقتصادي كانت قابلية الإدارة العامة للاقتراض أكبر، لكن بضغوط سوق أكثر وتكلفة أعلى.
جودة وحصافة
إن جودة إدارة الدَّين العام وشفافية مصروفاته وكفاءة ربطه باحتياجات الاقتصاد ومعالجة اختلالاته تتجاوز من حيث الأهمية حجم الإصدارات أو تسعيرها أو مدة سدادها، فلا المالية العامة باتت تتمتع بمرونة السيولة النقدية السهلة التي توافرت من تراكم مدخرات سنوات الفوائض النفطية، ولا أسعار النفط أو توقعاتها تشير إلى سهولة أدائها الدور المعتاد كإبرة تخدير تتجاوز بها مخاطر أمراضنا الاقتصادية... وهذا ما يجعل حصافة التعامل مع الدين العام مسألة جوهرية لمنع الانزلاق إلى فخ الديون السيادية الذي دمّر مالية واقتصاد العديد من الدول، بعكس الغرض الذي اقترضت من أجله.