حين تطلق العنان للروح القومية الاقتصادية، يصعب حصرها في زاوية واحدة من الاقتصاد.

منذ يناير، تبنَّت إدارة ترامب سياسة حمائية واسعة: فرضت تعريفات جمركية، اشترت 10 في المئة من أسهم «إنتل»، وتدخلت في إدارة «يو إس ستيل».

Ad

كان من المتوقع أن تمتد هذه العقلية إلى سوق العمل، فجاء القرار برفع رسوم طلبات تأشيرة H-1B إلى 100 ألف دولار لكل متقدم جديد.

برنامج H-1B أُنشئ بموجب قانون الهجرة لعام 1990، ويسمح للشركات بجلب مهنيين ذوي مهارات عالية لملء وظائف متخصصة لا يجد السوق الأميركي مَنْ يشغلها. لكن إعلان ترامب في 19 سبتمبر اتهم الشركات الأميركية، خصوصاً شركات التكنولوجيا، بإساءة استخدام البرنامج لاستبدال العمال الأميركيين بآخرين أجانب بأجور أقل، ما يضغط على رواتب الأميركيين، ويصعب على خريجي الجامعات إيجاد وظائف في قطاع تكنولوجيا المعلومات.

هذه السردية ترى أن البرنامج يضر العمالة الأميركية، لذا يجب تقييده. غير أن ما يغيب عنها هو الفوائد التي يجلبها حاملو هذه التأشيرات للاقتصاد الأميركي، وللعمال الأميركيين أنفسهم.

الأدلة تشير إلى أن العمالة الأجنبية الماهرة تزيد من إجمالي التوظيف في الولايات المتحدة. دراسة عام 2015 وجدت أن توظيف المهاجرين المهرة يؤدي إلى زيادة في فرص العمل للأميركيين، خصوصاً الشباب. كما خلص تقرير المؤسسة الوطنية للسياسات الأميركية إلى أن حاملي تأشيرات H-1B لا يضرون العمال المحليين، بل يساهمون في خفض البطالة وتسريع نمو الأجور بين خريجي الجامعات.

إضافة عامل أجنبي ماهر ليست لعبة صفرية. هؤلاء يجلبون رأسمال بشري وخبرات نادرة تعزز الابتكار والإنتاجية داخل الشركات الأميركية. وعندما يعمل الأميركي والأجنبي جنباً إلى جنب، تتضاعف الإبداعية والمخرجات، ما يعني في النهاية مزيداً من الوظائف للأميركيين.

صحيح أن دخول أجانب مهرة قد يدفع بعض الأميركيين لمغادرة قطاع محدد، لكن هذا لا يعني خسارة صافية للوظائف، بل إعادة توزيع للعمالة، وهي ظاهرة مألوفة في اقتصاد ديناميكي يتطور بفعل الابتكار والتغيُّرات التكنولوجية.

إذا مضت الإدارة قُدماً في تقليص أعداد حاملي تأشيرات H-1B، فالنتيجة المرجحة ستكون سلبية على التوظيف الأميركي ككل. وإذا وجدت الشركات أن التكلفة أصبحت باهظة، فلن تسارع بالضرورة لتوظيف الأميركيين، بل قد تنقل الوظائف إلى الخارج، حيث يتوافر talent، وهو ما تفعله منذ سنوات نتيجة سقوف التأشيرات. هذا التوجه أدى إلى نمو مراكز أبحاث وتطوير خارجية وزيادة براءات الاختراع المسجلة خارج الولايات المتحدة.

السياسة الرشيدة تقتضي توسيع البرنامج، واستقطاب المزيد من هذه الكفاءات، بل تسهيل حصولهم على الجنسية الأميركية، ليُصبحوا جزءاً دائماً من الاقتصاد. لكن في عالم القومية الاقتصادية المقلوب، النتيجة قد تكون عكسية، والخاسر الأكبر سيكون العمال الأميركيون الذين يزعم صُناع القرار أنهم يحمونهم.

* صامويل غريغ رئيس المعهد الأميركي للبحوث الاقتصادية، ومؤلف كتاب «الاقتصاد الأميركي المقبل».