افتتحت الجمعية العامة للأمم المتحدة دورتها الثمانين، أمس، بمشاركة ممثل صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، سمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد في نيويورك.
وعلى غير العادة انطلق الاجتماع بسجال علني بين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي رسم صورة قاتمة للنظام العالمي وخيّر زعماءه بين مستقبل تسود فيه سيادة القانون أو تسيطر عليه القوة الغاشمة، وبيّن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي شكك في جدوى منظمة الأمم المتحدة من أساسه، واتهمها بعدم مساعدته في تحقيق هدفه المتمثل في وضع حدّ للحروب حول العالم والاكتفاء بالكلام الفارغ.
وفي بداية الاجتماع الذي يستمر حتى الاثنين المقبل ويتحدث خلاله نحو 150 من القادة، قال غوتيريش إن مؤسسي الأمم المتحدة واجهوا نفس الأسئلة قبل 80 عاماً، لكنه أخبر زعماء العالم بأن الاختيار بين السلام أو الحرب، القانون أو الفوضى، التعاون أو الصراع، «أكثر إلحاحاً، وأكثر ترابطاً، وأكثر قسوة»، داعياً إلى اختيار مستقبل تسود فيه سيادة القانون على القوة الغاشمة.
وسلط غوتيريش الضوء على الحروب، وانتهاكات حقوق الإنسان، والكوارث المناخية، والمجاعة التي تعصف بالعالم.
وأضاف في خطابه السنوي عن «حالة العالم»: «لقد دخلنا عصراً من الاضطرابات المتهورة والمعاناة الإنسانية المتواصلة»، لافتاً إلى أن «ركائز السلام والتقدم تنهار تحت وطأة الإفلات من العقاب، وعدم المساواة، واللامبالاة».
وفي تلميح غير مباشر إلى أيديولوجية الحكام المستبدين والقادة الذين يتبعون سياسات قومية، مثل ترامب، شدد غوتيريش على أن «التعاون الدولي ليس سذاجة. إنه براغماتية صارمة. ففي عالم تتخطى فيه التهديدات الحدود، يعد الانعزال مجرد وهم».
ومن دون ذكر الولايات المتحدة التي خفضت بشكل ضخم الدعم الذي تقدمه للمؤسسات الدولية منذ عودة ترامب للبيت الأبيض، أوضح غوتيريش أن «خفض مساعدات التنمية يسبب فوضى. هذا حكم بإعدام كثيرين، وسرقة لمستقبل عدد أكبر».
وسلط الضوء على الفظائع المستمرة في غزة، حيث أدت الحرب الجوية والبرية الإسرائيلية ضد «حماس» إلى مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، مشيراً إلى أن الأراضي الفلسطينية تقترب من عامها «الثالث الوحشي» من الحرب. وشدد على أن لا شيء يبرر هجمات السابع من أكتوبر أو استمرار الإبادة والعقاب الجماعي في القطاع الفلسطيني المنكوب.
وأكد «ضرورة مواصلة الجهود على مسار حل الدولتين، الذي يعد الحل الوحيد القابل للتطبيق لإحلال السلام في الشرق الأوسط».
ورأى أن «السلام هو أول التزاماتنا وأن الإفلات من العقاب هو أمّ الفوضى».
كما حث جميع الأطراف، بما فيهم الموجودون في قاعة الجمعية، على التوقف عن دعم الأطراف المتحاربة في السودان، مشيراً إلى أن «المدنيين في السودان يُقتلون ويُجوعون وتُسكت أصواتهم وأن النساء والفتيات يواجهن عنفاً لا يمكن وصفه». وشدد على ضرورة إنهاء الصراعات المستمرة في غزة والسودان وأوكرانيا.
ورغم التحديات، تعهد غوتيريش، الذي تنتهي ولايته في أواخر عام 2026، بمواصلة النضال من أجل السلام، والكرامة الإنسانية، والعدالة، معتبراً أن «العدل هو الحل الأمثل لإسكات البنادق».
تباهٍ وانتقاد
في المقابل، بدأ الرئيس الأميركي كلمته باستعراض إنجازات إدارته الداخلية التي تولت السلطة في 20 يناير الماضي، متهماً إدارة سلفه الديموقراطي جو بايدن بإغراق الولايات المتحدة في المشاكل وجعلها أضحوكة على مستوى العالم جراء سياساتها بشأن الهجرة غير الشرعية وتسببها بكارثة اقتصادية.
وتحدث ترامب عن عدد من الإنجازات التي قال إنه حققها داخلياً، منها التصدي للهجرة غير النظامية وتصفيرها، فضلاً عن خفض أسعار السلع الأساسية والتضخم العام.
وقال إن الولايات المتحدة تعيش «عصرها الذهبي» بفضل سياسات إدارته.
وعلى الصعيد الخارجي، أشاد ترامب بنجاحه الشخصي في إنهاء 7 حروب، امتدت بعضها إلى 28 و26 عاماً، ومن بينها الصراع بين أرمينيا وأذربيجان ومصر وإثيوبيا والهند وباكستان والكونغو ورواندا.
وانتقد الرئيس الأميركي في خطابه الافتتاحي أمام قادة العالم المنظمة الدولية، قائلاً إنها عبارة عن «كلمات فارغة لا تحل الحروب».
وزعم أنه في كل الحالات التي أنهى بها الحروب الـ7 «للأسف لم تحاول الأمم المتحدة مجرد المساعدة في أي منها».
وتساءل ترامب مستنكراً: «ما الغرض من الأمم المتحدة؟ إن الأمم المتحدة لديها إمكانات كبيرة لكنها ليست قريبة حتى من بلوغ الإمكانات».
وأضاف أن الأمم المتحدة ماهرة في كتابة الخطابات، لكن ليس في اتخاذ نوع القرارات الذي أنهى صراعاً.
واعتبر الرئيس الذي يرفع شعار «أميركا أولاً» أنه «يستحق شخصاً جائزة نوبل للسلام لكنه يفضل التركيز على إنقاذ الأرواح».
وعن الوضع بالشرق الأوسط، أشار ترامب إلى أنه قام «ببناء علاقات ثمينة مع السعودية ودول الخليج».
وحاول الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، شدد على أنه يعمل على «تحقيق السلام في غزة»، وطالب «حماس» بإطلاق سراح كل المحتجزين في القطاع دفعة واحدة».
لكنه رأى أن اعتراف عدد من الدول بالدولة الفلسطينية يشكل مكافأة للحركة.
وفي الملف الإيراني، أكد ترامب أن «السلاح النووي يشكل أكبر خطر»، مشيراً إلى أنه عرض على المرشد الإيراني علي خامنئي التعاون قبل شن الضربات على منشأة طهران الذرية الرئيسية.
كما أكد ترامب أنه مصرّ على مواصلة حملته العسكرية لمحاربة تجارة المخدرات الواردة من فنزويلا.
سيلفا وأردوغان
وقبل ترامب تحدث الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، حيث حذّر من أن سلطة منظمة الأمم المتحدة أصبحت على المحك. وقال إن «القيم التي أسست عليها المنظمة أصبحت تحت تهديد غير مسبوق، ولا يمكن تحقيق السلام مع الإفلات من العقاب».
وأضاف دا سيلفا، أنه لا شيء يمكن أن يبرر الإبادة المستمرة في غزة والشعب الفلسطيني يتعرض لخطر الاختفاء، مؤكداً أن الجوع يستخدم في الوقت الحالي كسلاح حرب، ولا بديل عن حل الدولتين من أجل السلام.
من جهته، حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمته من أن «القيم التي تنادي بها أوروبا تتآكل مع استمرار ما يحدث في غزة».
وفي خطاب حاد من على منبر الأمم المتحدة، قال الرئيس التركي إن «كل دول المنطقة عرضة للتهديدات الإسرائيلية الرعناء من حكومة مهووسة بالأرض الموعودة»، مضيفاً أن «جنون إسرائيل يغذي معاداة السامية في العالم».
من جانب آخر، شكر أردوغان دول الخليج لمساعيها في تحقيق الاستقرار في سورية، مشدداً على أن بلده سيعمل على مساعدة سلطات دمشق على بسط سيادتها وإعادة التأهيل.
ودعا في ختام كلمته إلى تحرك دولي عاجل، مطالباً بـ «وقف إطلاق النار في غزة ومحاسبة مرتكبي الإبادة الجماعية أمام القانون الدولي»، ومجدداً دعوته لكل الدول إلى «الاعتراف بالدولة الفلسطينية».