تناولت في مقال أمس العقيدة التلمودية الصهيونية لنتنياهو، التي دفعته إلى تهديد أمن قطر والاعتداء على سيادتها، وهي الوسيط الذي كان يحمل مبادرة ترامب بوقف إطلاق النار في غزة، مقابل الإفراج عن الرهائن، الى ضيوفه، الوفد السياسي الفلسطيني، القادم لإبداء الرأي فيها، بما ينطوي على مخالفة القانون الدولي العام، وهو ما قرره الأمين العام للأمم المتحدة في تنديده بالغارة الإسرائيلية على قطر.
إلا أنّ العقيدة التلمودية - كما قلنا في المقال السابق - تقول إن من قتل إسرائيليا، فكأنه قتل العالَم أجمع، والوفد السياسي يمثّل مَن قتلوا بضعة أفراد من الإسرائيليين في السابع من «طوفان الأقصى»، ولم يرتوِ نتنياهو وجيشه من دماء خمسة وستين ألفا من الفلسطينيين، وأضعاف هذا العدد من الجرحى والمفقودين والأسرى الجدد الذين يقتادهم الجيش الإسرائيلي إلى معتقلاته في حرب إبادة جماعية لم يشهد لها العالم مثيلا، ولأول مرة تقرر لجنة تحقيق دولية تابعة للأمم المتحدة أن إسرائيل تمارس حرب إبادة جماعية للشعب الفلسطيني في غزة، وقد سبقتها إلى تقرير ذلك محكمة العدل الدولية، كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرا بالقبض على نتنياهو، باعتباره مجرم حرب.
عقيدة الشعب المختار وجيشه: إن هذه العقيدة التلمودية الصهيونية، ليست عقيدته وحده، بل عقيدة 75 بالمئة من الإسرائيليين، وهو ما كشفت عنه استطلاعات الرأي العام في من يؤيدون حرب الإبادة وتهجير الفلسطينيين، لتحويل غزة الى مشروع استثماري، هو ريفيرا الشرق الأوسط، وأول مَن فكّر فيه قطب المشروعات في العالم، الرئيس الأميركي ترامب، وقد استخدم حق النقض (الفيتو) في إجهاض قرار لمجلس الأمن، قدّمته الجزائر ووافق عليه مجلس الأمن بالإجماع (عدا أميركا).
والجيش الإسرائيلي الذي قام بهذه الغارة هو جيش شُكّل عام 1948 من عصابات إجرامية تدعى الهاجاناه والبالماخ والأرغون، وهي عصابات نزح أفرادها من أوروبا وغيرها ليغتصبوا - برعاية بريطانيا وحمايتها - أرض فلسطين التي انتُدبت عليها بريطانيا بقرار من عصبة الأمم المتحدة سنة 1922، فالجيش الإسرائيلي يحمل عقيدة هذه العصابات الصهيونية العدوانية للسيطرة على العالم أجمع.
فلا تثريب على هذا الجيش وفقا لعقيدته التلمودية الصهيونية إن اغتال وفد الفلسطينيين القادم إلى قطر يمدّ يده بالسلام إلى إسرائيل، ليضاف بضعة أفراد الى 65 ألف شهيد منذ بدء هذه الحرب.
وإسرائيل لم تدخل بوابة المجتمع العالمي والدولي من بابه الأمامي من اعتراف الدول عامة، والأمم المتحدة خاصة، بدولة تتكون من حكومة وشعب وأرض، بل كانت نبت
مستنقع لا أخلاقى خلّفته الحرب العالمية الثانية وويلاتها على البشرية جمعاء، وقد كانت المذابح ومعسكرات الاعتقال التي ارتكبها هتلر وحكومته ضد اليهود هي إحدى هذه الويلات، وهي ما يطلق عليه الهولوكست، إلا أنها حظيت وحدها بقرار من الأمم المتحدة، بإنشاء دولة لليهود من شتى أنحاء العالم لينزحوا إليها مدججين بالأسلحة التي زودتهم بها الدول العظمي.
فالذين صوّتوا على استمرار هذه الحرب (75 بالمئة) هم من المغامرين من شتى الأجناس المختلفة، وهم لا يمتّون الى أرض فلسطين بِصِلة، وقد وفدوا الى فلسطين أو وفد آباؤهم وأجدادهم إليها، للسيطرة على العالم من أرض اغتصبوها، وكل رؤسائهم بلا استثناء کانوا كذلك، بن غوريوين الذي وُلد في بولندا (1886م)، وموردخاي الذي وُلد في وارسو (1900) وبن تسفي، وبنسحاق الذي وُلد في أوكرانيا (1884م)، وكان ثاني رؤساء الدولة الصهيونية هو ضمن طابور طويل من قادتهم ورؤسائهم، وليس نتنياهو وحده الذي وُلد في وارسو، بما يطول معه هذا التعقبّ في سياق مقال.
مدرسة الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون
هي نظرية استعمارية سياسية عدوانية بائسة كان أول من قال بها نيكسون في حرب فيتنام، لتجنيب الولايات المتحدة الأميركية الهزيمة العسكرية والسياسية والخسائر الكبيرة التي مُنيت بها في هذه الحرب، إذ نادى بقيام أميركا بأعمال عسكرية غير عقلانية، ولا يمكن حسابها سلفاً، كأسلوب من أساليب إدخال الرعب في نفوس القادة السوفيات، لإجبارهم على التراجع، بالضغط على حلفائهم في فيتنام للاستسلام.وكان السيناتور بارى غولد ووتر قد طالب نيكسون باستخدام أميركا السلاح الذريّ ضد الصين، لمنعها من مساندة فيتنام (مأخوذ من كتاب الصحافي الأميركي وليم شوكروس «نيكسون وكيسنجر وتدمير كمبوديا»)، لكن وزير خارجيته كيسنجر كان رجلا سياسيا حكيما، وقد استطاع بحكمته أن يكبح جماح نيكسون.
أما نتنياهو، الرجل المجنون، فهو يختلف عن نيكسون في أنه لا يريد وقف الحرب مثل نيكسون، بل يريد استمرارها، وإن الغارة الإسرائيلية على قطر، (الوسيط الدولي في إنهائها)، خير شاهد على ذلك، وقد كان هدف الغارة اغتيال المفاوضين السياسيين في قيادة حركة حماس، لكي تستمر الحرب على شعب أعزل لا سلاح له، إلا قوة إيمانه بالله، وبأرضه التي وُلد فيها وآباؤه وأجداده، وانتمائه الشديد الى هذه الأرض، حتى أطلق عليه أحد المفكرين اليهود على صحيفة هآرتس أنه أفضل شعب في العالم، وهو ما تناولته في مقال أسبق، منذ أن تصديت لقضية طوفان الأقصى.