تُعد الحوكمة المؤسسية ركناً أساسياً لا غنى عنه في بناء مؤسسات تجارية ومالية قوية ومستدامة.
وتتجاوز الحوكمة المؤسسية كونها مجرّد مجموعة من اللوائح لتصبح نظاماً متكاملاً من الضوابط والموازين يهدف إلى تحقيق التوازن بين مصالح جميع الأطراف المعنية. وتأتي أهميتها في توفير إطار للرقابة الداخلية وإدارة المخاطر، مما يضمن اتخاذ القرارات بمسؤولية وشفافية.
إن الرقابة على الحوكمة ليست عملية تفاعلية تُكتشف الأخطاء بعد وقوعها، بل هي عملية استباقية تهدف إلى منع المخاطر قبل أن تتفاقم.
ولتحقيق هذه الغاية، يجب على المؤسسات أن تبني آليات رقابة داخلية قوية، وتفعّل دور لجان مجلس الإدارة، وتتبُّع المؤشرات التحذيرية، التي قد تدل على وجود خلل في التطبيق وتكمن في اتخاذ آليات عملية وجادة في طرق الرقابة المثلى وتفعيلها؛ أهمها الفحص الاستباقي قبل وقوع الخطأ.
ولتحقيق رقابة فعالة على تطبيق الحوكمة، يجب على المؤسسات أن تعتمد على عدة آليات متكاملة تعمل بشكل استباقي؛ منها الآتي:
تفعيل دور لجان مجلس الإدارة
تعتبر لجان التدقيق والمخاطر، والترشيحات والمكافآت، واللجنة التنفيذية، خط الدفاع الأول في نظام الحوكمة، حيث يجب أن تتمتع هذه اللجان بالاستقلالية التامة، وأن تُمنح صلاحيات واسعة لطلب المعلومات والتحقيق في المسائل التي تدخل ضمن نطاق عملها. على سبيل المثال، يجب أن يكون ميثاق عمل لجنة التدقيق والمخاطر واضحاً في صلاحياتها لتقييم فعالية أنظمة الرقابة الداخلية وتقديم التوصيات اللازمة لمعالجة أي أوجه قصور قبل وقوع الخطأ وتحقيق أفضل سبل الشفافية والأمان.
الرقابة الداخلية الفعالة
تُعد وظيفة التدقيق الداخلي حجر الزاوية في الرقابة الاستباقية، ويجب أن تتمتع دائرة التدقيق الداخلي بالاستقلالية التامة عن الإدارة التنفيذية، وأن يكون تقييم أدائها وتعيين مديرها من مسؤولية لجنة التدقيق والمخاطر حصراً، ويجب أن يركز التدقيق الداخلي على تقييم المخاطر بشكل منهجي، وتقديم تقارير دورية للجنة التدقيق والمخاطر حول فعالية الضوابط الداخلية.
مؤشرات ضعف الحوكمة (العلامات التحذيرية)
يمكن للمؤسسات والجهات الرقابية والمستثمرين اكتشاف ضعف الحوكمة من خلال مراقبة مجموعة من المؤشرات، أبرزها:
- التناقضات المالية؛ مثل نمو صافي الدخل بشكل ثابت، في حين يظل التدفق النقدي من الأنشطة التشغيلية ضعيفاً أو سلبياً، مما قد يشير إلى ممارسات محاسبية مفاجئة أو سريعة لإخفاء مشاكل السيولة.
- عدم الشفافية في المكافآت: عندما لا ترتبط مكافآت المديرين التنفيذيين بأداء الشركة طويل الأجل، أو يتم منح مكافآت كبيرة في ظل أداء ضعيف، فإن ذلك يشير إلى أن مصالح الإدارة العليا لا تتماشى مع مصالح المساهمين.
- الممارسات غير المعتادة: مثل التغيير المتكرر للمدققين الخارجيين أو للمديرين التنفيذيين، أو التأخر المتكرر في نشر التقارير المالية، مما قد يدلّ على محاولة إخفاء مشاكل جوهرية أو تعاملات غير قانونية.
- تضارب المصالح: عدم إفصاح أعضاء مجلس الإدارة عن مصالحهم في الصفقات التي تقوم بها الشركة، أو وجود تعاملات غير مبررة مع أطراف ذات صلة، يضعف من نزاهة القرارات.
الجزاءات والعواقب المترتبة على عدم تطبيق قواعد الحوكمة السليمة
إن عدم الالتزام بقواعد الحوكمة يترتب عليه عواقب متعددة المستويات، لا تقتصر على الجزاءات القانونية، بل تمتد لتشمل أضراراً مالية وسمعية قد تكون أكثر تأثيراً على المدى الطويل.
الجزاءات القانونية والرقابية
الغرامات المالية: تفرض الجهات الرقابية، مثل هيئة أسواق المال الكويتية، غرامات مالية رادعة على الشركات ومجالس إدارتها. وقد تتجاوز هذه الغرامات الشركة لتشمل المساءلة الفردية لأعضاء مجالس الإدارة والمديرين التنفيذيين قد تصل إلى مبالغ كبيرة وعزلهم وحرمانهم من تقلّد المناصب والعضويات للشركات لمدد مؤقتة أو طويلة.
العقوبات الإدارية: يمكن للجهات الرقابية إيقاف تداول أسهم الشركة، أو فرض قيود على أنشطتها، أو إلغاء ترخيصها في الحالات الجسيمة. والتي يُفتح الباب للمساهمين والشركاء غير التنفيذيين الى مساءلة مجلس الإدارة والمتسبب بتلك الخسائر.
ويتمتع بنك الكويت المركزي بسلطة واسعة لفرض قيود على نمو المؤسسات المالية التي تُظهر ضعفاً في الحوكمة، لمنع حدوث أزمة نظامية حماية للنطام الاقتصادي والمالي ولحقوق المتعاملين والمساهمين.
المسؤولية الجنائية والمدنية: قد يتعرّض المسؤولون للمساءلة الجنائية التي قد تصل إلى السجن في حالات الاحتيال أو التلاعب، نتيجة ضعف الرقابة في الشركات، إضافة إلى المسؤولية المدنية لتعويض المتضررين.
العواقب غير القانونية (الخسائر غير المباشرة)
فقدان ثقة المستثمرين: يترتب على ضعف الحوكمة تراجع حاد في ثقة المستثمرين، مما يؤدي إلى انخفاض القيمة السوقية للشركة وصعوبة الحصول على التمويل اللازم للنمو.
تدهور السمعة التجارية: يُعد الضرر الذي يلحق بسمعة الشركة من أخطر العواقب، حيث يؤدي إلى فقدان العملاء والشركاء التجاريين، مما يضعف قدرتها التنافسية على المدى الطويل.
زيادة تكاليف الاقتراض: يُنظر إلى المؤسسات ذات الحوكمة الضعيفة على أنها أكثر عرضة للمخاطر الائتمانية، مما يزيد من أسعار الفائدة أو الضمانات التي تفرضها البنوك والمؤسسات المالية عند منح القروض.
أمثلة على انهيار مؤسسات مالية بسبب فشل الحوكمة
تُعد دراسة حالات انهيار المؤسسات المالية والتجارية دليلاً حياً على أن الحوكمة ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة وجودية.
شركات استثمارية كويتية (محلياً): شهدت الساحة الاقتصادية الكويتية حالات انهيار لشركات استثمارية وعقارية كبرى، حيث كان أبرز الأسباب عدم تطبيق معايير الحوكمة السليمة، فقد أسهمت ممارسات مثل تضارب المصالح، وغياب الشفافية، وعدم كفاية الإفصاح، إلى جانب قرارات التمويل الخاطئة التي لم تخضع لرقابة فعالة من قبل مجالس الإدارة، في تفاقم الأوضاع المالية لتلك الشركات.
وقد أدت هذه الانهيارات إلى خسائر فادحة للمستثمرين والدائنين، مما دفع هيئة أسواق المال إلى تشديد قواعد الحوكمة والإفصاح بشكل جذري في السنوات اللاحقة، بهدف منع تكرار هذه الأزمات والمحافظة على كيانات مالية ومشاريع جيدة من الانهيار والاختفاء بسبب ضعف في التطبيقات السليمة والوقاية من المخاطر.
الحوكمة كأداة للوقاية والنمو والاستدامة
تُظهر هذه الدراسة أن الحوكمة المؤسسية هي في جوهرها نظام وقائي يهدف إلى حماية المؤسسات من المخاطر الداخلية والخارجية. إن تطبيقها الفعّال يتطلب التزاماً راسخاً من قبل مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، والاستثمار في بناء آليات رقابة استباقية. إن غياب هذه الركائز لا يؤدي فقط إلى فرض جزاءات قانونية، بل يعرّض المؤسسة لخسائر هائلة في القيمة السوقية، والسمعة التجارية، وثقة المستثمرين.
إن الدروس المستفادة من الأمثلة العالمية والمحلية تؤكد أن الحوكمة ليست عبئاً تنظيمياً، بل هي استثمار استراتيجي يضمن المرونة، ويحقق الاستقرار، ويمهّد الطريق نحو النمو المستدام.
* رئيس تنفيذي - «أركان للمحاماة»
وتتجاوز الحوكمة المؤسسية كونها مجرّد مجموعة من اللوائح لتصبح نظاماً متكاملاً من الضوابط والموازين يهدف إلى تحقيق التوازن بين مصالح جميع الأطراف المعنية. وتأتي أهميتها في توفير إطار للرقابة الداخلية وإدارة المخاطر، مما يضمن اتخاذ القرارات بمسؤولية وشفافية.
إن الرقابة على الحوكمة ليست عملية تفاعلية تُكتشف الأخطاء بعد وقوعها، بل هي عملية استباقية تهدف إلى منع المخاطر قبل أن تتفاقم.
ولتحقيق هذه الغاية، يجب على المؤسسات أن تبني آليات رقابة داخلية قوية، وتفعّل دور لجان مجلس الإدارة، وتتبُّع المؤشرات التحذيرية، التي قد تدل على وجود خلل في التطبيق وتكمن في اتخاذ آليات عملية وجادة في طرق الرقابة المثلى وتفعيلها؛ أهمها الفحص الاستباقي قبل وقوع الخطأ.
ولتحقيق رقابة فعالة على تطبيق الحوكمة، يجب على المؤسسات أن تعتمد على عدة آليات متكاملة تعمل بشكل استباقي؛ منها الآتي:
تفعيل دور لجان مجلس الإدارة
تعتبر لجان التدقيق والمخاطر، والترشيحات والمكافآت، واللجنة التنفيذية، خط الدفاع الأول في نظام الحوكمة، حيث يجب أن تتمتع هذه اللجان بالاستقلالية التامة، وأن تُمنح صلاحيات واسعة لطلب المعلومات والتحقيق في المسائل التي تدخل ضمن نطاق عملها. على سبيل المثال، يجب أن يكون ميثاق عمل لجنة التدقيق والمخاطر واضحاً في صلاحياتها لتقييم فعالية أنظمة الرقابة الداخلية وتقديم التوصيات اللازمة لمعالجة أي أوجه قصور قبل وقوع الخطأ وتحقيق أفضل سبل الشفافية والأمان.
الرقابة الداخلية الفعالة
تُعد وظيفة التدقيق الداخلي حجر الزاوية في الرقابة الاستباقية، ويجب أن تتمتع دائرة التدقيق الداخلي بالاستقلالية التامة عن الإدارة التنفيذية، وأن يكون تقييم أدائها وتعيين مديرها من مسؤولية لجنة التدقيق والمخاطر حصراً، ويجب أن يركز التدقيق الداخلي على تقييم المخاطر بشكل منهجي، وتقديم تقارير دورية للجنة التدقيق والمخاطر حول فعالية الضوابط الداخلية.
مؤشرات ضعف الحوكمة (العلامات التحذيرية)
يمكن للمؤسسات والجهات الرقابية والمستثمرين اكتشاف ضعف الحوكمة من خلال مراقبة مجموعة من المؤشرات، أبرزها:
- التناقضات المالية؛ مثل نمو صافي الدخل بشكل ثابت، في حين يظل التدفق النقدي من الأنشطة التشغيلية ضعيفاً أو سلبياً، مما قد يشير إلى ممارسات محاسبية مفاجئة أو سريعة لإخفاء مشاكل السيولة.
- عدم الشفافية في المكافآت: عندما لا ترتبط مكافآت المديرين التنفيذيين بأداء الشركة طويل الأجل، أو يتم منح مكافآت كبيرة في ظل أداء ضعيف، فإن ذلك يشير إلى أن مصالح الإدارة العليا لا تتماشى مع مصالح المساهمين.
- الممارسات غير المعتادة: مثل التغيير المتكرر للمدققين الخارجيين أو للمديرين التنفيذيين، أو التأخر المتكرر في نشر التقارير المالية، مما قد يدلّ على محاولة إخفاء مشاكل جوهرية أو تعاملات غير قانونية.
- تضارب المصالح: عدم إفصاح أعضاء مجلس الإدارة عن مصالحهم في الصفقات التي تقوم بها الشركة، أو وجود تعاملات غير مبررة مع أطراف ذات صلة، يضعف من نزاهة القرارات.
الجزاءات والعواقب المترتبة على عدم تطبيق قواعد الحوكمة السليمة
إن عدم الالتزام بقواعد الحوكمة يترتب عليه عواقب متعددة المستويات، لا تقتصر على الجزاءات القانونية، بل تمتد لتشمل أضراراً مالية وسمعية قد تكون أكثر تأثيراً على المدى الطويل.
الجزاءات القانونية والرقابية
الغرامات المالية: تفرض الجهات الرقابية، مثل هيئة أسواق المال الكويتية، غرامات مالية رادعة على الشركات ومجالس إدارتها. وقد تتجاوز هذه الغرامات الشركة لتشمل المساءلة الفردية لأعضاء مجالس الإدارة والمديرين التنفيذيين قد تصل إلى مبالغ كبيرة وعزلهم وحرمانهم من تقلّد المناصب والعضويات للشركات لمدد مؤقتة أو طويلة.
العقوبات الإدارية: يمكن للجهات الرقابية إيقاف تداول أسهم الشركة، أو فرض قيود على أنشطتها، أو إلغاء ترخيصها في الحالات الجسيمة. والتي يُفتح الباب للمساهمين والشركاء غير التنفيذيين الى مساءلة مجلس الإدارة والمتسبب بتلك الخسائر.
ويتمتع بنك الكويت المركزي بسلطة واسعة لفرض قيود على نمو المؤسسات المالية التي تُظهر ضعفاً في الحوكمة، لمنع حدوث أزمة نظامية حماية للنطام الاقتصادي والمالي ولحقوق المتعاملين والمساهمين.
المسؤولية الجنائية والمدنية: قد يتعرّض المسؤولون للمساءلة الجنائية التي قد تصل إلى السجن في حالات الاحتيال أو التلاعب، نتيجة ضعف الرقابة في الشركات، إضافة إلى المسؤولية المدنية لتعويض المتضررين.
العواقب غير القانونية (الخسائر غير المباشرة)
فقدان ثقة المستثمرين: يترتب على ضعف الحوكمة تراجع حاد في ثقة المستثمرين، مما يؤدي إلى انخفاض القيمة السوقية للشركة وصعوبة الحصول على التمويل اللازم للنمو.
تدهور السمعة التجارية: يُعد الضرر الذي يلحق بسمعة الشركة من أخطر العواقب، حيث يؤدي إلى فقدان العملاء والشركاء التجاريين، مما يضعف قدرتها التنافسية على المدى الطويل.
زيادة تكاليف الاقتراض: يُنظر إلى المؤسسات ذات الحوكمة الضعيفة على أنها أكثر عرضة للمخاطر الائتمانية، مما يزيد من أسعار الفائدة أو الضمانات التي تفرضها البنوك والمؤسسات المالية عند منح القروض.
أمثلة على انهيار مؤسسات مالية بسبب فشل الحوكمة
تُعد دراسة حالات انهيار المؤسسات المالية والتجارية دليلاً حياً على أن الحوكمة ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة وجودية.
شركات استثمارية كويتية (محلياً): شهدت الساحة الاقتصادية الكويتية حالات انهيار لشركات استثمارية وعقارية كبرى، حيث كان أبرز الأسباب عدم تطبيق معايير الحوكمة السليمة، فقد أسهمت ممارسات مثل تضارب المصالح، وغياب الشفافية، وعدم كفاية الإفصاح، إلى جانب قرارات التمويل الخاطئة التي لم تخضع لرقابة فعالة من قبل مجالس الإدارة، في تفاقم الأوضاع المالية لتلك الشركات.
وقد أدت هذه الانهيارات إلى خسائر فادحة للمستثمرين والدائنين، مما دفع هيئة أسواق المال إلى تشديد قواعد الحوكمة والإفصاح بشكل جذري في السنوات اللاحقة، بهدف منع تكرار هذه الأزمات والمحافظة على كيانات مالية ومشاريع جيدة من الانهيار والاختفاء بسبب ضعف في التطبيقات السليمة والوقاية من المخاطر.
الحوكمة كأداة للوقاية والنمو والاستدامة
تُظهر هذه الدراسة أن الحوكمة المؤسسية هي في جوهرها نظام وقائي يهدف إلى حماية المؤسسات من المخاطر الداخلية والخارجية. إن تطبيقها الفعّال يتطلب التزاماً راسخاً من قبل مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، والاستثمار في بناء آليات رقابة استباقية. إن غياب هذه الركائز لا يؤدي فقط إلى فرض جزاءات قانونية، بل يعرّض المؤسسة لخسائر هائلة في القيمة السوقية، والسمعة التجارية، وثقة المستثمرين.
إن الدروس المستفادة من الأمثلة العالمية والمحلية تؤكد أن الحوكمة ليست عبئاً تنظيمياً، بل هي استثمار استراتيجي يضمن المرونة، ويحقق الاستقرار، ويمهّد الطريق نحو النمو المستدام.
* رئيس تنفيذي - «أركان للمحاماة»