«ما تقوله لا يُشبه عالمنا، فأين العالم من غزة؟!»، هكذا يُجيبني أبنائي حين أُناقشهم في قضايا تتعلَّق بالإنسانية واحترام وتقبُّل الآخرين، وإن اختلفنا في الدِّين والعِرق.
شاءت الأقدار أن يزوروا مدريد الأسبوع الماضي، فما إن وصلوا حتى أرسلوا صورة تجمعهم، أكبرهم 12 عاماً، اثنان منهم يُمسكان بعلم فلسطين، والثالث متوسطة، ويجسِّد شخصية الشهيد ناجي العلي (حنظلة)، بإدارة ظهره لعدسة الكاميرا، وذلك بعد أن فُوجئوا بحشدٍ كبير من مختلف الأجناس يشاركون في المسيرات الداعمة لفلسطين تجوب شوارعها، وبأعلام تزيِّن الشُّرفات والمباني.
وطبيعي أن مَنْ بأعمارهم لا يستطيعون كبح مشاعرهم، حتى هبّوا، ليعبِّروا عن تضامنهم لنُصرة القضية الإنسانية الأولى، ويعيشوا مشهداً حيَّاً يُدافع عن قيمة الإنسان.
ما عاشه أبنائي في مدريد لم يكن سوى صورة مصغرة لما امتد على نطاق أوسع في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث ظهر فيه حجم التضامن الشعبي والرسمي الإسباني الداعم لوقف نزيف غزة.
فقد وصف الملك فيليبي السادس خلال زيارته لمصر، الثلاثاء الماضي، ما يعيشه الفلسطينيون في قطاع غزة بـ «معاناة تفوق الوصف». فيما أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز سلسلة من الإجراءات، أبرزها منع مرور السفن والطائرات المُحمَّلة بالأسلحة إلى إسرائيل عبر الموانئ والمجال الجوي الإسباني.
ويُعد سانشيز أول زعيم أوروبي رفيع المستوى يتهم إسرائيل بارتكاب «إبادة جماعية» في غزة. وبطبيعة الحال، ردَّت تل أبيب سريعاً، على لسان وزير خارجيتها جدعون ساعر، واصفاً قرارات سانشيز بأنها «مُعادية للسامية».
ولعل هذه المواقف لا تأتي من فراغ. فتاريخياً، لإسبانيا مسار مُمتد في تأييد الحقوق الفلسطينية، تعود جذوره إلى سبعة عقود. ففي عام 1956 دعت إلى ضرورة الامتثال لقرارات الأمم المتحدة. وفي عام 1973 منعت الولايات المتحدة من استخدام قواعدها العسكرية لإرسال أسلحة إلى إسرائيل. وعلى مدى السنوات اللاحقة اتخذت العشرات من المواقف الداعمة للشعب الفلسطيني، وتَوَّجتها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر 2024.
ووفق بيانات صادرة عن منظمة UN WATCH، صوَّتت إسبانيا ضد إسرائيل في 121 قراراً اتُخذت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الفترة ما بين 2015 و2024، ولم تُصوِّت مع أي قرارٍ لمصلحة دولة الاحتلال.
ولا ننسى احتضان مدريد لمؤتمر السلام عام 1991، وهو ما يعكس استعدادها التاريخي لاحتضانه مرة أخرى متى توافرت نية حقيقية للسلام.
فشكراً لإسبانيا، لما قدَّمته من درسٍ للأمم في احترام حقوق الإنسان، والسعي نحو تحقيق السلام العالمي، رغم كل الاختلافات العِرقية والدينية.