كان للكرد على مرّ القرون وجود مؤثر في الجيوش الإسلامية، حيث اندمج الكثير من العشائر الكردية في المجتمعات العربية، ولا تزال عملية التداخل متواصلة في دول كالعراق وسورية وتركيا وإيران، كما هو معروف، وينشط الكرد في بعض الأحزاب الإسلامية أو المؤسسات في دول عدة.

ورغم الإجماع على الدور الكردي، من خلال دور صلاح الدين الأيوبي وطرد الغزاة الإفرنج من منطقة سواحل الشام، فإن الرؤية السلبية الموروثة ضد الكرد لدى الأتراك مثلا تبرز في قولهم «إن الأكراد مسلمون فقط فيما لو قورنوا بالمشركين («إسلام الكرد» - د. تهامي العبدولي - بيروت 2007 ـ ص 8).

Ad

وقد أشرنا، في مقال سابق، الى الصراعات والتقاتل داخل الوسط الكردي نفسه كذلك، ويقول د. تهامي إنه ما امتشقت سيوف كما امتشقت بين الأكراد لتريق دماً كردياً، أي التصفيات الداخلية والحروب بين الأكراد وعشائرهم.

ويضيف المصدر نفسه أن تحالف الكرد مع العرب أو الترك أو الفرس كان يؤدي أحيانا الى أن يريق الأكراد دماء كردية، وامتد ذلك الى العصور الحديثة وزماننا الحالي.

«وباسم الدين القرشي - المتلبس بالعربي ثم العثماني - أبيد من الكرد الآلاف في حرب ضد الروس فيما بين عامي 1914 و1918، ليُهجّروا بعد ذلك الى الأناضول وما شفع لهم إسلامهم، بل أوقع العثمانيون بينهم وبين الأرمن، وكذا كان أمرهم لما استغلهم مصطفى كمال أتاتورك في حربه ضد اليونان، وكان يحثّهم على قراءة (إنا فتحنا لك فتحا مبينا)، ثم سرعان ما انقلب عليهم فنكّل بهم، وحرق قراهم وأباد زرعهم، ومن 1924 الى 1937 فعل بهم ما لم يفعل العدو بعدوه». («إسلام الكرد» ص 10).

ويشير العبدولي الى أن الفرنسي توماس بوا Thmoas Bois له العديد من الدراسات عن بداية انتشار الإسلام في كردستان، ويقول: لقد حل الإسلام محل الديانة الزردشتيه بين الأكراد، فقد كان نبيّ فارس والكرد ما بين 660 و573 هو زردشت، الذي كان قد ظهر في الفترة بين 700 و549 ق م بين قوم «الميديين».

ويقول الكتاب إن المؤرخين اختلفوا في شأن تاريخ الإسلام وظروفه في كردستان، ووفق رواية الطبري، فإن منطقة الجزيرة شمالي سورية قد غزيت سنة 19هـ، ويبدو أن إنزال الهزيمة بالكرد لم يكن سهلا، بسبب تحالف مجاميع منهم مع الفرس.

وتتضارب الأقوال والتحليلات حول كيفية انتشار الإسلام في كردستان والوسائل المستخدمة ومدى استخدام العنف أو الإقناع. ولمراجعة الاختلافات بين المؤرخين، يدعو المؤلف الى المقارنة بين «ابن الأثير، جـ 3»، ص 44، و»البلاذري ص 210».

وفي العهد العباسي «كان الأكراد حلفاء الخوارج»، أي المتمردين على الدولة كالحركة القرمطية وغيرها، ولكن الباحث يقول كذلك إن «العشائرية والفكرة الإسلامية النافية للقوميين قد منعتا تأسيس دولة كردية».

ومن المهم أن نلاحظ أن الأكراد حملوا ضغينة إزاء الأتراك السنّة، مثلما كان الأمر مع الفرس الشيعة. وفي المراجع التاريخية العربية والإسلامية مدح وذم للكرد يشبه الى حد ما المدح والذم والاتهامات التي توجه عادة للعرب أو الفرس، مثل الاتهام بأن الكرد «متقلبون لا يستقرون على حال، وكانوا سبب اضطراب» في بعض مراحل التاريخ الإسلامي، وهنا كذلك نجد الكرد محاصرين بين تقييم الفرس والعرب لأدائهم، مما لا مجال لعرضه.

ماذا عن تفاعل الكرد مع الحركة الاسلامية والإسلام السياسي المعاصر؟

نشأت الحركة الإسلامية وجماعات الإسلام الكردي السياسي وسط ظروف معقّدة، كما لا يخفى، ولا شك في أن أولى الصعاب ظهرت بنجاح «الثورة الإسلامية» في إيران عام 1979، التي نظرت الى الأكراد، وخاصة أهل السنة، بارتياب كبير!

كما تولى الإخوان المسلمون بناء بعض الأحزاب الدينية الكردية عام 1987 بقيادة الشيخ عثمان عبدالعزيز في منطقة حلجبة، التي تعرّضت عام 1988 للقصف الكيماوي.

وحاول الإسلاميون إقامة تنظيم آخر باسم «يكجيرتو» Yekgirtu عام 1994.

ولا شك في أن ظهور أي تنظيم تحت أي شعار كان ولا يزال يحرك ضده الحزبين الكرديين القائمين بقيادة البرزاني وطالباني في مناطق الأكراد، وانزلقت جماعات كردية جهادية نحو العنف ومعاداة تحرر المرأة والارتباط بتنظيم القاعدة الإرهابي، مما عجل بعزل الحركة عن المجتمع الكردي وعموم العراق (انظر the columbia world dictionarg of lslamism antoine sfeir m.y 2007,202-3).

وبالرغم من اعتناق بعض الأكراد للمذاهب الشيعية، وخاصة الإسماعيلية، فإن قوة العشائرية والروح القومية عرقلت ذلك، وبقيت أغلبية الأكراد على مذهب أهل السنة والمذهب الشافعي، وللواقع المعاش كردستان تأثيره كذلك.

ويقول الكتاب إن سكان أربيل ودهوك هم اليوم أكثر التزاما بالصيام في رمضان من سكان السليمانية، لأن حزب البرزاني حزب محافظ، في حين أن حزب الطالباني ظاهرا حزب علماني («إسلام الكرد» - ص 86).

وانتشرت الطرق الصوفية في كردستان منذ فترة طويلة، وكانت الطريقة القادرية أولى الطرق وأسرعها انتشارا بين الأكراد، وهي نفس الطريقة التي لها اتباعها بالملايين في مصر والعراق وغيرهما، والتي أسسها الشيخ عبدالقادر الكيلاني المتوفى عام 1666م، والذي يعتبره بعض الأكراد كرديا، ومن شيوخها مَن هو من عائلة الطالباني.

وثاني أبرز الطرق الصوفية الواسعة الانتشار الطريقة النقشبندية، التي أسسها بهاء الدين وأصله من بخارى، وقد توفي سنة 1389.

وهناك أيضا الطريقة البكتاشية أو البكداشية، التي أسست على يد حاجي بكتاش المتوفى عام 1337 التركي الأصل من خراسان في شمال شرق إيران، وكان الحاج بكتاش متعاطفا بشدة مع الأتراك ضمن الثقافة الفارسية، وقد انخرط في الانتفاضة الاجتماعية ضد الحكام السنّة السلاجقة عام 1240.

ليست هذه نهاية الحديث عن البكداشية، فهناك الكثير من التفاصيل الأخرى والخبايا.