استأنف بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي خفض أسعار الفائدة بعد أشهر من الجمود خلال اجتماعه، أمس، وأشار إلى تخفيضين آخرين قبل نهاية العام.
القرار الأخير تطلب من مجلس المحافظين موازنة صعبة بين تحقيق استقرار الأسعار، والتوظيف الكامل.
ولكن التحولات الجذرية في سياسات إدارة ترامب في مجالي التجارة والهجرة أدت إلى تضارب في صلاحيات البنك المركزي، بحسب تقرير لوكالة بلومبرغ.
لكن بالعودة إلى التاريخ، فمنذ عام 1977، منح «الكونغرس» بنك الاحتياطي الفدرالي صلاحيات مزدوجة، تعزيز استقرار الأسعار وتحقيق أقصى قدر من التوظيف للمساعدة في ضمان اقتصاد قوي. عادةً، عندما ترتفع الأسعار، يرفع الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة لدرء المزيد من التضخم.
وعندما ترتفع معدلات البطالة، يخفض الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة لخفض تكاليف الاقتراض وتحفيز التوظيف.
لكن في العام الماضي، تباطأ سوق العمل الأميركي بالتزامن مع استمرار ارتفاع التضخم، وهو ما يعزى جزئياً إلى آثار الزيادات السريعة في الأسعار خلال جائحة كورونا.
بينما يهدد فرض الرئيس ترامب للرسوم الجمركية على مجموعة واسعة من الواردات بدفع الأسعار إلى مزيد من الارتفاع. وقد وضع ذلك الاحتياطي الفدرالي في موقف صعب، مدركاً أن خفض أسعار الفائدة بشكل مفرط أو سريع جداً قد يؤدي إلى مزيد من التضخم، بينما قد يؤدي تثبيت أسعار الفائدة إلى ارتفاع معدلات البطالة.
ما أهداف «الاحتياطي الفدرالي»؟
لم يحدد صانعو السياسات في «الاحتياطي الفدرالي» هدفاً دقيقاً لمعدل البطالة، مجادلين بأن أدنى مستوى مستدام للبطالة لا يمكن تقديره إلا أنه يتغير بمرور الوقت.
حالياً، يقدر «الاحتياطي الفدرالي» أن هذا المستوى يبلغ حوالي 4.2%. وإذا انخفض عن هذا المستوى بكثير، فقد يواجه الاقتصاد نقصاً في العمالة وارتفاعاً في الأسعار.
كان استقرار الأسعار موضع نقاش واسع النطاق على المستويين الخاص والعام. بعد مكافحة ارتفاع التضخم في سبعينيات القرن الماضي، اعتاد رئيس الاحتياطي الفدرالي السابق، بول فولكر، القول إن المستوى المناسب للتضخم هو انعدام التضخم تقريباً.
جانيت يلين، التي حثت خلال سنواتها الطويلة في الاحتياطي الفدرالي نظراءها على توضيح معنى استقرار الأسعار، جادلت بأن على البنك المركزي أن يتسامح مع زيادات طفيفة في الأسعار لدعم الأجور وتعزيز سوق العمل.
واعتمد «الاحتياطي الفدرالي» هدف التضخم البالغ 2% في يناير 2012، وهو هدف التزم به منذ ذلك الحين.
تحديات يواجهها «الفدرالي» في تحقيق أهدافه
تختلف مهمة الاحتياطي الفدرالي عن مهمة معظم البنوك المركزية الأخرى حول العالم. فمعظمها مكلف بمهمة واحدة هي الحفاظ على التضخم قريباً من معدل محدد أو ضمن نطاق محدد.
في الاحتياطي الفدرالي، يقول بعض الخبراء، إن المهمة أصعب، لأن المسؤولين يجب أن يوازنوا بين الأهداف المتنافسة.
وقد زادت سياسات ترامب من صعوبة هذه المهمة، حيث تهدد التعريفات الجمركية بخفض النمو الاقتصادي مع تحفيز التضخم. علاوة على ذلك، فإن حملة قمع الهجرة تقلل من المعروض من العمال والمستهلكين، مما يصعب تقييم معدل البطالة الذي يمكن للاقتصاد تحمله دون زيادة الضغط على التضخم.
دوافع خفض الفائدة
تشكك مجموعة من بيانات التوظيف الأخيرة في وجهة نظر الاحتياطي الفدرالي - التي صرحت بها مؤخراً في يوليو - بأن سوق العمل لا يزال «متيناً».
وارتفع معدل البطالة إلى 4.3% في أغسطس وسط ركود حاد في التوظيف.
كما أظهر تعديل قياسي لأرقام الرواتب السابقة أن وتيرة خلق الوظائف خلال العام حتى مارس كانت حوالي نصف ما سجل سابقاً.
وحتى قبل تقارير الوظائف المخيبة للآمال لشهري يوليو وأغسطس، عارض اثنان من أصل 12 عضواً في لجنة السوق المفتوحة الفدرالية التابعة للاحتياطي الفدرالي، كريستوفر والر وميشيل بومان، قرار إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير في يوليو، مفضلين خفضها بمقدار ربع نقطة مئوية في ضوء ضعف سوق العمل.
وقال والر آنذاك إنه كانت هناك دلائل على أن سوق العمل كان «على حافة الهاوية».
وحدثت نقطة تحول أكبر في أغسطس، عندما قال رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول، إن سوق العمل في «توازن غريب» وفتح الباب أمام خفض أسعار الفائدة خلال خطاب ألقاه في جاكسون هول، وايومنغ. «يشير هذا الوضع غير المعتاد إلى تزايد المخاطر السلبية على التوظيف. وإذا تحققت هذه المخاطر، فقد تتحقق بسرعة في شكل تسريحات عمالية أعلى بشكل حاد وارتفاع في معدلات البطالة»، كما قال.
المهمة الثالثة لـ «الفدرالي»
في بعض الأحيان، تدفع الصياغة الدقيقة لقانون الاحتياطي الفدرالي، وهو القانون الصادر عام 1913 الذي أسس نظام الاحتياطي الفدرالي، البعض إلى التساؤل عما إذا كان لدى البنك المركزي بالفعل 3 تفويضات، حيث يلزم القانون الاحتياطي الفدرالي بالسعي إلى «أسعار فائدة معتدلة طويلة الأجل» إلى جانب استقرار الأسعار وتحقيق أقصى قدر من التوظيف.
ولفتت إشارة إلى هذه الصياغة من قِبل أحدث عضو في مجلس إدارة الاحتياطي الفدرالي، ستيفن ميران، خلال جلسة تأكيد تعيينه في أوائل سبتمبر انتباه بعض مراقبي سوق السندات. ودفعتهم إلى التساؤل عما إذا كان ميران سيدفع الاحتياطي الفدرالي لشراء سندات للمساعدة في خفض أسعار الفائدة طويلة الأجل، وهي مناورة غير تقليدية تأتي مع مجموعة خاصة بها من مخاطر التضخم.
لكن من غير المرجح أن يرحب مسؤولون آخرون بمثل هذه الخطة. لم يصنف الاحتياطي الفدرالي هذا الأمر قط على أنه ولاية ثالثة، وينظر تقليدياً إلى أسعار الفائدة المعتدلة طويلة الأجل كنتيجة طبيعية لتحقيق استقرار الأسعار والتوظيف الكامل.
ماذا قال مسؤولو «الاحتياطي الفدرالي» عن التضخم؟
لا يزال العديد من مسؤولي الاحتياطي الفدرالي قلقين بشأن صدمة تضخمية دائمة ناجمة عن الرسوم الجمركية. هناك أدلة متزايدة على أن الأمر سيستغرق وقتاً أطول بكثير مما كان متوقعاً في الأصل حتى تشق الرسوم طريقها إلى الأسعار النهائية.
في الوقت نفسه، يرتفع التضخم في قطاع الخدمات - الذي لا يفترض أن يتأثر بالرسوم الجمركية، مما يشير إلى أن زيادات الأسعار قد تكون أكثر استمراراً مما كان يعتقد سابقاً.
وأشار باول إلى أن تأثير الرسوم الجمركية من المرجح أن يكون مؤقتاً، لكنه لا يزال يحذر من أن الاحتياطي الفدرالي يجب أن يظل يقظاً بشأن التضخم المستمر.