خطوة إيجابية وموفقة تلك التي اتخذتها الحكومة ممثلة بوزارة الداخلية، بإدخال ما يُسمّى بـ «العقوبات البديلة» عن الحبس لمخالفي قانون المرور الجديد، بحيث تتحول العقوبة من أداة قهرية للإذلال والتقييد، إلى وسيلة إصلاحية لتقويم السلوك وخدمة للمجتمع، أسوة بكثير من الدول المتقدمة.

فالعقوبات البديلة المنصوص عليها تتضمن أعمالاً تطوعية في خدمة المجتمع من دون مقابل، ووفق ضوابط وشروط محددة، منها تنظيف الشواطئ والحدائق العامة، والمشاركة في تنظيم المقابر، وتنظيم المكتبات المدرسية، وغيرها من الأعمال التي يترفع العامة عن المشاركة بها والانخراط فيها.

وتمثّل هذه النوعية من العقوبات الحديثة فلسفة إصلاحية بالغة الأهمية، إذ تراعي ظروف المحكوم عليه من جهة، وتسعى إلى تقويم سلوكه وفق طبيعة المخالفة المرتكبة من جهة أخرى.

Ad

وقد شدّني بالقانون بأنه لم يقف عند حدود الخدمة المجتمعية فحسب، بل أضاف بعداً جديداً في «إصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة»، بإلزام المحكوم عليه بردّ الشيء إلى أصله أو جبره أو تعويضه.

وكما أثنينا على هذا التوجه المحمود لوزارة الداخلية، فإننا نأمل منها في المقابل إعادة النظر في مسألة نشر صور وأسماء وبيانات بعض المتهمين قبل صدور الأحكام النهائية عليهم، فذلك وإن كان يهدف إلى الردع العام، إلّا أنه يتعارض مع مبدأ دستوري راسخ بأن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، كما يتضارب أيضا مع القيم العربية الإسلامية والعادات الكويتية الأصيلة، التي تدعو إلى الستر والتبيّن والتأني.

إن نشر صور أو أسماء المتهمين في وسائل التواصل أو القنوات الرسمية قبل محاكمتهم، يُظهرهم بمظهر المُدان أمام الرأي العام، حتى لو برّأتهم المحكمة لاحقاً! مما يعرّضهم وأسرهم إلى انهيار اجتماعي قد يكون أقسى من أي عقوبة قضائية. ونحن في دولة صغيرة، ومجتمع مترابط، فآثار التشهير قد تكون عميقة وبعيدة المدى على المتهم وذويه. وسبق أن حدث شيء مماثل لسيدة كويتية اتُّهمت بالإرهاب وبرّأتها المحكمة لاحقا. وكذلك، ما حدث أيضا لأحد المتهمين بحادثة مسجد الصادق من «منشورات» حساب وزارة الداخلية، والذي برّأته المحكمة لاحقاً، وعليه، رُفعت آلاف القضايا على مواطنين بتهمة نشر وإذاعة أخبار كاذبة، بعد أن تفاعل الجمهور معها بحرارة وعاطفة وطنية شديدة، عادت عليهم لاحقاً بغرامات مالية كبيرة، وإرهاق نفسي نتيجة المحاكمات التي امتدت على مدى سنوات طويلة.

نؤكد أننا لسنا ضد بسط يد القانون، ولا مع التساهل مع الجريمة، بل نحن من أشد الداعمين لجهود وزارة الداخلية ورجال الأمن، لكننا ضد استخدام التشهير كأداة ردع لما له من تداعيات سلبية. وإذا كان لا بُدّ من استخدام الصور لإثبات الردع، فيمكن الأخذ بالنماذج المطبقة في بعض دول الخليج، عبر تصوير المتهمين من الخلف مثلاً، أو تغطية عيونهم، حفاظاً على حقوقهم حتى يصدر الحكم القضائي الباتّ.

خلاصة القول، استكمالاً لفلسفة العقوبات البديلة الإيجابية، نتمنى من المسؤولين في وزارة الداخلية أن يطبّقوا النهج ذاته في التعامل مع المتهمين أو المجرمين الآخرين، عبر تجنّب نشر صورهم وبياناتهم الكاملة قبل صدور الأحكام النهائية عليهم. فاحترام حقوق الفرد الإنسانية هو الوجه الآخر للعدالة، جنباً إلى جنب مع بسط هيبة القانون.

* مهندس معماري