منذ سالف الزمان والمجتمعات البشرية تُقيم المناسبات والفعاليات، ولها مواسم وشعائر وترتيبات، في كل أمة وجماعة، باختلاف بيئاتها ونُظم معيشتها، وعادةً ما ترتبط بفصلٍ مناخي أو عقيدة دينية أو منهجية فكرية.

انتهى موسم السفر، الإجازة الصيفية بكل أجزائها. بدأ العام الدراسي، وعاد الطلبة إلى المقاعد الدراسية بكامل الالتزام. بدخول شهر سبتمبر في الكويت: تنكسر شدة الحرارة، يتغيَّر الجو، وتنتشر الأمراض الموسمية. ينطلق الموسم الزراعي، وتمتلئ المشاتل بمختلف النباتات والبذور والمستلزمات، وكذلك بالرواد والزبائن. ينتهي الصيف «فلكياً»، ويحل الخريف. ثم تباعاً... تزدهر النشاطات في الأماكن المفتوحة، يعود الدرَّاجون إلى الشوارع، تزدحم الطاولات الخارجية للمطاعم والمقاهي. نترقب أمطار «الوسم»، التي يترتب عليها اعتدال فصل الشتاء وكمية «الفقع». يتجهز الناس لموسم «المكشات»، وتُقام المعارض، وتخصص الأقسام لتجهيزات البر.

يعوِّل الناس دائماً حالتهم المزاجية على الحالة الجوية، وأنا من هؤلاء الذين يتابعون أحوال الطقس، وكم يؤثر تغيُّر المواقيت على نظامنا وجدولة أعمالنا، كما أننا مُقبلون على تلك الفترة التي يتساوى فيها الليل بالنهار.

Ad

رغم أنها أمور لا تُرى بالعين، وتتكرَّر كل عام بدوران الشهور والفصول، فإن لها تأثيراً حقيقياً، لأنها أيامنا، وحياتنا، ومناخنا، وظروفنا، ونمطنا. وفي هذا التنوُّع سد لحاجة، وصنف من الترفيه. هذا التغيير يأتي من دون إذن منا، ولا اختيار، والاستجابة له استجابة لاستمرارية الحياة.

تخيَّل أننا نتدافع لمجاراة هذا التنوُّع الممتع، ونشعر بأن الجو أصبح لطيفاً في الليل، ويحلم الناس بالمظاهر الشتوية والألبسة، وبسعادة وحنين... تارةً يخططون لاجتماعاتهم، وتارةً يسترجعون ذكرياتهم.

نشهد مختلف المواسم، ونعيش تفاصيلها، وفي ذات الوقت هناك مَنْ يعيش حالة واحدة فقط. مع تغيُّر التاريخ والفترات يعيش حالة حرب. الحرب بكل أهوالها، القصف والتفجير، القتل والتجويع، الفقد والتهجير. كيف لأصحاب الأرض أن تُنهب مساكنهم، ويُقتل رضيعهم وشيخهم؟! تتعاقب الفصول، بكُل ما تحمله من سمات تمرُّ على أرض مباركة، يُغتال شعبها، ويُسلب تاريخهم.

تمادى الظالم في ظُلمه، وبغى في الأرض، وظن أن لا رادع له، ويراه مَنْ لا يخفى عليه ولا يُعجزه شيء في السماوات وفي الأرض، ووعده النصر، وقوله الحق.

دائماً ما أقول إن الوقت المُفضَّل عندي في الكويت هو شهر مارس، حين يحلُّ الربيع، وتبتهج الطيور، يعود الموسم الزراعي، ويُحصد العسل الكويتي، وأجد النوير على جوانب الطريق. فعسى أن يتم النصر، ويُدحَر العدوان، وتحل السكينة على الأراضي المُحتلة. ذلك قادم لا محالة، سواء طال الزمن أم قَصُر.