وصلت إليّ آلاف الرسائل والإشعارات المؤيدة لمقالي الأخير المعنون «قد أجرنا من أجرتِ يا قطر»، كما وصل إليّ تعقيبان اثنان يذكرانني بأخطاء للإخوان المسلمين أثناء غزو الكويت وما نُشر عن إيصال دعم قطر إلى «حماس» عن طريق نتنياهو، ولا شك أن هذه مواضيع مهمة وتجدر مناقشتها في حوار على أساس السياسة الشرعية الإسلامية، ووفق المعلومات الصحيحة لتقييم هذه الأحداث من أجل الوصول إلى جمع الكلمة، ولكن لا يجوز اتخاذها ذريعة لعدم التصدي للاعتداء الحاصل اليوم في غزة وفلسطين.
المشكلة أن هناك مَن ينظر إلى قضية فلسطين من خلال نظرتهم للإخوان المسلمين وأخطائهم والخلافات معهم، بينما قضية فلسطين قضية مقدسات إسلامية مسلوبة وأراضٍ مغتصبة، وشعب مسلم مظلوم يُذبح يومياً، وقضية إنسانية، وهي أيضاً تمثل اعتداءً وبغياً قام به أعداء الله وأعداء الإسلام وأعربوا عن نيتهم احتلال المزيد من الأراضي وعزمهم التوسع والسيطرة على كل بلادنا ونشر الديانة الإبراهيمية في بلادنا والتحكم في ثرواتنا.
لذلك، فإن تصدي جميع المسلمين لعدوان الصهاينة وجرائمهم وإنقاذ بلادنا ومقدساتنا وبلاد المسلمين منهم هو واجب شرعي، ولا يجوز الاحتجاج بأخطاء «حماس» أو «الإخوان» أو غيرهما.
ولو سلّمنا بصحة وقوع هذه الأخطاء فهل يصح تحميلها لكل الفلسطينيين؟ وهل انقلبوا من الإسلام إلى الكفر؟ وهل أصبح الصهاينة أقرب للمسلمين منهم أم أنهم مسلمون يجب مساعدتهم؟
لقد نقلت في مقالاتي السابقة أقوال ابن تيمية في وجوب مساعدة المسلم، وإن كان لديه بدع أمام ظلم الكافر المعتدي.
وقال الإمام ابن عثيمين في «الشرح الممتع على زاد المستقنع»، إن «الحربي هو الكافر الذي بيننا وبينه حرب وليس بيننا وبينه عهد مثل اليهود الذين احتلوا فلسطين، فإن قال قائل: إن بيننا وبينهم عهداً وهو العهد العام في الأمم المتحدة، فنقول: هم نقضوا العهد لأنهم يعتدون علينا».
ألم ترَ أن الدول العربية تحتضن منظمة التحرير رغم كل المآخذ العقائدية عليها وعلى مواقف زعيمها الحالي وزعيمها السابق من غزو الكويت؟
كما ذكرت في المقال، إن الهدف من فتح مكاتب للمقاومة في الدول المجتمعة هو «التنسيق مع سائر القوى الفلسطينية في خطة موحدة في مواجهة الاعتداء والإبادة الجماعية التي يمارسها الصهاينة على العرب والمسلمين بقوة عربية وإسلامية موحدة».
فهل يوجد مسلم يرفض مواجهة الصهاينة بقوة عربية وإسلامية موحدة؟
وفي فيديو منتشر للإمام ابن باز يقول إن «نصرة المسلمين في فلسطين وفي كل مكان واجب شرعي»، وينتقد فيه تفرق المسلمين وعدم تحكيم الشريعة، وأنهم آثمون بهذا التفرق.
وإذا كان المؤتمرون لا يستطيعون قتال الصهاينة لأنه لا أحد منهم يريد الدخول في صراع مع أميركا، فلماذا لا يسعون إلى الضغط عليها سلمياً والعمل على إيصال رسائل مهمة لها مثل كل الشعوب الحية، وأن تكون هذه الرسائل متدرجة؟ فيمكن أن يجتمع العرب والمسلمون على تخفيض تدريجي للتعامل الاقتصادي مع الشركات الداعمة للصهيونية بحيث تصل الرسالة إلى متخذي القرار فيها، فأميركا فرضت عقوبات قوية على روسيا وإيران، ولكنها لاتزال تجتمع وتتفاوض معهما.
وإذا كانت الدول المقيدة باتفاقيات مع الصهاينة لا تستطيع الانفلات منها فإنها تستطيع تخفيض التمثيل الدبلوماسي والتجاري معها، كما أخبرني عدد من سفراء الكويت السابقين، وهذا إجراء معروف وتمارسه كل دول العالم، وقد أعلن أردوغان في المؤتمر أن تركيا أوقفت كل تعاملاتها مع الصهاينة، وأن هذا الإجراء كلّفها أكثر من ثمانية مليارات، كما عبرت الكلمة العظيمة لإندونيسيا عن القرارات التي كان يجب أن تُتخذ في المؤتمر، ولكن ذلك لم يحدث، فأتوقع إذاً المزيد من إراقة دماء المسلمين وإخراجهم من أرضهم.
الخلاصة أن مؤتمر القمة العربية والإسلامية في قطر كان فرصة لتجنب الأخطاء ورص الصفوف والقيام بواجب الجهاد بقدر المستطاع لمواجهة أكبر عدو لم يرعَ المقدسات والدم الحرام والقانون الدولي، ولا يجوز التذرع بأي أخطاء سابقة للتنصل من هذا الواجب.