في محاولة لإعادة صياغة الترتيبات الأمنية القائمة منذ عقود، سلّمت إسرائيل إلى سورية مقترحاً تفصيلياً لاتفاق أمني جديد يمتد نطاقه من جنوب غرب دمشق حتى الحدود المشتعلة بينهما، ويستند إلى النموذج المستخدم في اتفاقية السلام مع مصر الموقّعة عام 1979.

ونقل موقع «أكسيوس» الأميركي، عن مصدرين، أن دمشق لم ترد بعد على هذا العرض الذي قدّمته إسرائيل قبل عدة أسابيع، لكنها تعمل على إعداد مقترح مضاد. ومن المقرر أن يلتقي وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، قريباً في لندن، بحضور المبعوث الأميركي توم برّاك، في ثالث اجتماع ثلاثي من نوعه لبحث هذه الخطة.

Ad

وأوضحت مصادر «أكسيوس» أن المقترح الجديد يهدف إلى استبدال اتفاق فك الارتباط لعام 1974، الذي فقد أهميته بعد انهيار نظام بشار الأسد وتوغّل إسرائيل داخل المنطقة العازلة على الجانب السوري. وأشارت إلى أن الخطة الإسرائيلية تستند إلى النموذج المستخدم في اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، التي قسّمت سيناء إلى 3 مناطق أمنية بمستويات متفاوتة من نزع السلاح. وبحسب ما نُقل، فإن المقترح الإسرائيلي يطلب من سورية القبول بمنطقة واسعة منزوعة السلاح، ومنطقة حظر طيران على أراضيها، من دون أي تغيير في الجانب الإسرائيلي من الحدود، مع تقسيم المنطقة الممتدة جنوب غرب دمشق إلى 3 مناطق أمنية تختلف فيها مستويات التسليح المسموح بها.

وتتضمن الخطة توسيع المنطقة العازلة كيلومترين إضافيين داخل الأراضي السورية، بحيث يُحظَر وجود قوات عسكرية وأسلحة ثقيلة في الشريط الأقرب إلى الحدود مع إسرائيل، مع السماح بانتشار قوات شرطة وأمن داخلي. كما ينص المقترح على تصنيف كامل المنطقة من جنوب غرب دمشق حتى الحدود الإسرائيلية كمنطقة محظورة أمام الطائرات السورية، مقابل انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من جميع الأراضي التي احتلتها في الأشهر الأخيرة، باستثناء موقع استراتيجي على قمة جبل حرمون، تصرّ إسرائيل على الاحتفاظ به ضمن أي تسوية مستقبلية.

إيران والشرع

ووفق «أكسيوس»، فإن أحد المبادئ المركزية في الطرح الإسرائيلي هو الحفاظ على ممر جوي يتيح لإسرائيل الاحتفاظ بقدرة تنفيذ ضربات محتملة ضد إيران عبر الأراضي السورية. وذكر مسؤول إسرائيلي أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أبدى اهتماماً بلقاء الرئيس السوري أحمد الشرع على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية سبتمبر، غير أن فرص حدوث هذا اللقاء لا تزال ضعيفة.

وأشارت التقارير كذلك إلى أن هذه المفاوضات تجري في سياق سياسي معقّد، يتزامن مع تحركات عسكرية إسرائيلية مكثفة في منطقة مجدل شمس بالجولان المحتل، وضغوط أميركية لدفع الطرفين نحو ترتيبات أمنية جديدة لتثبيت وقف إطلاق النار في الجنوب السوري.

القناة 12 العبرية بدورها نقلت تفاصيل متشابهة، مشيرة إلى أن المباحثات تتقدم، لكن التوصل إلى اتفاق نهائي لا يزال بعيداً. وذكرت أن المقترح يقسّم المنطقة إلى 3 دوائر أمنية، ويعتمد على التجربة المصرية، مع اشتراط حظر جوي كامل على الطيران السوري في تلك المنطقة. كما أضافت أن إسرائيل تطالب بالإبقاء على وجودها العسكري في قمة جبل الشيخ ضمن أي اتفاق.

وفي موازاة هذه التطورات، ذكرت وكالة رويترز أن واشنطن تضغط بقوة على الطرفين للإسراع في المفاوضات، على أمل تحقيق تقدم يُعلن عنه خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك نهاية الشهر، وهو ما قد يتيح للرئيس الأميركي دونالد ترامب إعلان «اختراق سياسي».

ونقلت عن مصادر عدة، بينها مسؤولون عسكريون وسياسيون سوريون ومصادر استخباراتية، أن المقترح السوري المضاد يركز على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي استولت عليها أخيراً، وإعادة المنطقة العازلة إلى وضعها المتفق عليه عام 1974 كمنطقة منزوعة السلاح، ووقف الغارات الجوية والتوغلات البرية الإسرائيلية. وأوضحت المصادر أن مسألة الجولان المحتل منذ 1967 لم تُطرح بعد، وستُترك للمستقبل.

وأفاد مصدر حكومي بأن دمشق ترفض أي اتفاق أمني لا يضمن انسحاب إسرائيل من الأراضي التي توغلت فيها بعد سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر 2024. وأكد المصدر أن أي تفاهم جديد يجب أن يُبنى على اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، وأن يضمن سيادة سورية ووحدة أراضيها، ومعالجة التهديدات الإسرائيلية المتكررة.

من جانبها، أعلنت «الخارجية» السورية، في بيان مشترك مع نظيرتها الأردنية والمبعوث الأميركي بدمشق، أنها تعمل مع واشنطن على التوصل إلى تفاهمات أمنية مع إسرائيل حول الجنوب السوري، ضمن خريطة طريق جديدة اعتمدتها دمشق بدعم من الولايات المتحدة والأردن لمعالجة أزمة السويداء، وتثبيت الاستقرار جنوب البلاد. وتؤكد هذه الخريطة، وفق البيان، سيادة سورية وسلامة أراضيها، وتشمل خطوات عملية أبرزها نشر قوات داخلية محلية وتأمين عودة النازحين وإعادة الخدمات الأساسية.

توغل وتهجير

في الوقت ذاته، استمر التوتر الميداني على الأرض، فقد توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر أمس في قرى بريف القنيطرة الشمالي، بينها جباتا الخشب وخان أرنبة وأوفانيا، ونفذت عمليات دهم وتفتيش واعتقلت 4 أشخاص، بالتزامن مع تحليق مكثف للطيران الاستطلاعي.

وأفادت مصادر محلية بأن القوات انسحبت لاحقاً، فيما أصدرت منظمة هيومن رايتس تقريراً اتهمت فيه إسرائيل بارتكاب انتهاكات ممنهجة منذ ديسمبر 2024، شملت التهجير القسري ومصادرة الممتلكات وفرض قيود على التنقل، واعتبرتها خرقاً للقانون الدولي الإنساني. التقرير أكد أن الانتهاكات أسفرت عن تهجير عائلات بأكملها من قراها، وسط صمت دولي.

في المقابل، صرّح الجيش الإسرائيلي بأن عملياته تتماشى مع القانون الدولي وتهدف إلى حماية مواطني إسرائيل. وتحدثت تقارير عن اعتقالات سابقة في المنطقة، بينما أكد التلفزيون السوري وقوع اعتقالات جديدة في القنيطرة.

على الصعيد الإقليمي، حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من محاولات إسرائيل استغلال الأوضاع الداخلية السورية لتحقيق مكاسب في الجنوب، مؤكداً دعم أنقرة لوحدة سورية واستقرارها، معلناً أن أجهزته على تواصل مباشر مع دمشق، تزامناً مع لقاء رئيس مخابراته إبراهيم كالين مع الشرع، لبحث قضايا أمنية ثنائية وإقليمية والتطورات الراهنة بالمنطقة.

في المقابل، رحّبت دول عربية ودولية بخريطة الطريق الخاصة بالسويداء، حيث أصدرت الكويت والسعودية وقطر وتركيا بيانات تشيد بالاتفاق، وتعتبره خطوة لتعزيز الاستقرار في الجنوب السوري. كما عبّر الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم البديوي، والمبعوث الأميركي توم برّاك عن دعمهم لهذه الخطة التي تهدف إلى تحقيق المصالحة الداخلية، وضمان المساعدات الإنسانية، وتهيئة الظروف لعودة الحياة الطبيعية في الجنوب السوري.

في المقابل، رفضت اللجنة التابعة للزعيم الدرزي حكمت الهجري خريطة الطريق التي طرحتها الحكومة، معتبرةً أنها تنصُّل من المسؤولية عن أحداث يوليو 2025، وأكدت أن الحديث عن محاسبة عبر القانون السوري «مجرد واجهة شكلية لتبييض الجرائم»، ووصفت مقترحات الحكومة بشأن المجالس المحلية والقوات الشرطية المشتركة بأنها «وصاية جديدة تهدد وحدة أبناء السويداء».

وشددت لجنة الهجري على حق الأهالي في تقرير مصيرهم «بالإدارة الذاتية أو الانفصال كخيار أخير»، داعياً المجتمع الدولي إلى دعم تحقيق مستقل وآليات محاسبة دولية، بعيداً عن هيمنة دمشق.