لم تعد جرأة إسرائيل تجاوزات عابرة، بل سياسة ممنهجة تستند إلى قراءة دقيقة لمشهدٍ عربي متصدِّع، وواقع إسلامي غارق في خلافاته. ففي ظل هذا الضعف، تتحرَّك إسرائيل بطمأنينة، وتفرض وقائعها بلا رادع، وكأنها أيقنت أن العرب فقدوا القدرة على المواجهة. لكن التاريخ لا يُمحى، ففي السادس من أكتوبر 1973 حين هزَّت مدافع العبور ضمير العالم، أثبت الجيشان المصري والسوري، مدعومَين من أشقائهما العرب، أن إسرائيل ليست أسطورة، وأن إرادة الشعوب إذا اتحدت تكسر أوهام الهيمنة. ففي سيناء اجتاز المصريون قناة السويس، وحطَّموا خط بارليف. وفي الجولان اندفع السوريون حتى مشارف بحيرة طبريا، مدمِّرين الدبابات والآليات، وسُرعان ما التحقت قوات عربية لتعزز الميدان، وتؤكد وحدة الموقف. فيما لعبت دول الخليج، وبمقدمتها السعودية والكويت، دوراً حاسماً بسلاح النفط وقطع الإمدادات عن الدول الداعمة لإسرائيل، فكانت المعركة عسكرية واقتصادية وسياسية في آنٍ واحد. غير أن الجسر الجوي الأميركي، وتدخله المباشر غيَّرا الموازين، ليبقى ذلك اليوم برهاناً على أن الأمة إذا اجتمعت أرعبت العدو، وفرضت الموازين.

اليوم، تتمادى إسرائيل في غطرستها، حتى بلغت الوقاحة أن طالت عدوانيتها قطر الشقيقة، الدولة الخليجية الآمنة التي تتوسط دائماً من أجل السلام.

إن استهداف قطر ليس مجرَّد عملٍ عابر، بل رسالة صريحة بأن الاحتلال لم يعد يكتفي بالقمع داخل فلسطين، بل تمدَّد إلى قلب الخليج، في تحدٍّ صارخ للأعراف والمواثيق الدولية، وإهانة مباشرة للأمة كلها. فأين نتجه؟ هل نبقى شعوباً ممزَّقة، نكتفي بالانتظار والتبرير، أم نعود كما أراد الله لنا أمة واحدة، كلمتها سيف وعدالتها درع؟ وقد قِيل «مَنْ تفرَّق ضاع، ومَنْ اجتمع نجا». ومن زاوية أخرى، يعيش الشعب الإسرائيلي حالةً من القلق الداخلي، إذ يتنامى بين أفراده يقين بأن هذه الدولة الصغيرة لن تبقى طويلاً، وأن تاريخها وواقعها الجغرافي يجعلان بقاءها هشاً، غير أن حكومته ترفض الاعتراف، وتواصل سياسات توسعية وعدوانية.

Ad

ويُظهر التاريخ أن معظم سكان إسرائيل مستحدثون ومهجنون من دول متعددة، وأن تأسيسها جاء برعاية استخباراتية عالمية، لضمان استمرار هذا الكيان. ومع أن شعوب العالم كثيراً ما تتظاهر ضد الممارسات الإسرائيلية وتحرق أعلامها، إلا أن هذه الرسائل لم تغيِّر السياسات الرسمية، وكأنها موجهة للداخل، لخلق ضغط نفسي يُضعف المجتمع، ويُقلل من قُدرته على المواجهة، فيما الحكومة تواصل صرامتها بلا خوف.

إن جرأة إسرائيل ليست قدراً محتوماً، بل نتيجة فراغ صنعناه بأيدينا، وإذا أردنا تغيير المعادلة، فعلينا أن نستعيد روح التضامن التي فجَّرت لحظة العبور، وأن نُدرك أن قوتنا ليست في البيانات ولا المؤتمرات، بل في وحدتنا وإرادتنا.

إسرائيل لم تجرؤ لأنها قوية، بل لأنها قرأت ضعفنا جيداً، ولو استعدنا ذاكرتنا الجماعية، ووقفنا صفاً واحداً، كما فعلنا سابقاً، لتغيَّرت الحسابات كلها.

إن ساعة الحقيقة تقترب، إما أن نصنع مستقبلنا بأيدينا، أو نبقى فرائس لعدوٍ لا يعرف سوى الغطرسة، والتاريخ لا يرحم المتخاذلين.