في رسالة تحدٍّ للعالم أجمع، أخرج الاحتلال الإسرائيلي وقيادته أسوأ ما في جعبته من وحشية وهمجية، وأعلن عزمه حرق مدينة غزة المكتظة بمئات الألوف من المدنيين العزل في بداية عملية واسعة وجديدة من الاجتياح البري.

Ad

وفي وقت تراهن سلطات الاحتلال على فرض الاستسلام على الفصائل الفلسطينية بالخيار العسكري، بعد رفض «حماس» مقترحات إلقاء السلاح واكتفائها بإعلان قبول صفقة شاملة تسمح بتبادل المحتجزين الإسرائيليين وتشكيل لجنة فلسطينية لإدارة شؤون المنطقة المنكوبة، وضعت القوات البرية الإسرائيلية قدماً بأطراف أحياء مدينة غزة الشمالية والوسطى، معلنة انطلاق المرحلة الأساسية من عملية «عربات جدعون 2» للسيطرة على قلب المدينة المكتظة بنحو مليون شخص أمس.

ورغم معارضته السابقة للعملية العسكرية في المدينة بدعوى خطرها على حياة الأسرى، انصاع زامير لأوامر الحكومة، وقال إن «المناورة في مدينة غزة عملية ذات أهمية وتأثير على تحقيق الهدف، وهو إعادة جميع المختطفين وتدمير القدرات العسكرية والسلطوية لحركة حماس».

ووسط موجة نزوح غير مسبوقة منذ أشهر من المدينة التي تعرضت أطرافها الشمالية الغربية ووسطها لموجة قصف جوي ومدفعي مكثفة استهدفت المنازل والأبراج السكنية الشاهقة والمقرات الصحية، قال رئيس الأركان الإسرائيلي أيال زامير: «قمنا بتعميق المناورة إلى قلب مدينة غزة».

وأوضح زامير أن 3 فرق عسكرية بدأت التقدم إلى مناطق جديدة خارج المناطق التي كانت خاضعة سابقاً للسيطرة الإسرائيلية في مدينة غزة بموازاة شن موجة كبيرة من الغارات الجوية بالمقاتلات الحربية والطائرات المسيرة على أحياء المدينة الأكبر بالقطاع.

وتباهى وزير دفاع الاحتلال يسرائيل كاتس باشتداد عمليات القصف للمدينة رغم تشكيك تقارير بتقدم الدبابات الإسرائيلية وتأكيدها أن الجيش عمد إلى إدخال مدرعات مفخخة بأطنان من المتفجرات لترويع سكان أحياء الرمال ومخيم الشاطئ والشيخ رضوان ودفعهم إلى المغادرة باتجاه الجنوب.

وقال كاتس عبر منصة «إكس» إن «غزة تحترق والجيش يضرب بقبضة من حديد ولن نتراجع حتى إتمام المهمة»، مضيفاً أن الجنود يقاتلون بشجاعة لتهيئة الظروف لإطلاق سراح الرهائن وهزيمة «حماس».

واعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خلال حضوره جلسة لمحكمته بقضية فساد أن معركة مدينة غزة دخلت مرحلة حاسمة مع انطلاق «عملية عسكرية واسعة النطاق في المنطقة».

وبينما زعم مسؤولان إسرائيليان أن نتنياهو حصل على ضوء أخضر من البيت الأبيض للمضي بالعملية، أدلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصريحات لم يعارض فيها الخطوة التي حذرت عدة دول وجهات في مقدمتها بريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي والأردن ومصر وتركيا والسلطة الفلسطينية من خطورة مفاقمتها للكارثة واحتمال تسببها بمجازر جماعية.

وقال ترامب عبر منصة تواصل اجتماعي: «لا أعرف الكثير عن الهجوم الإسرائيلي في غزة وسنرى ما يحدث». وفي وقت سابق، حذر ترامب «حماس» من استخدام الرهائن الإسرائيليين كـ»دروع بشرية» لمنع تقدم القوات الإسرائيلية وهو ما اعتبرته الحركة انحيازاً لنتنياهو الذي يفسد كل محاولة لإبرام صفقة لتبادل الأسرى ووقف النار.

وفي تفاصيل الخبر:

وسط موجة نزوح جماعي وصفت بالأكبر على نطاق لم يشهده القطاع الفلسطيني منذ أشهر، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدء المرحلة البرية من عملية «عربات جدعون 2» لفرض السيطرة العسكرية على مدينة غزة مركز القطاع الذي يحمل الاسم نفسه اليوم.

وقال نتنياهو، في بداية جلسة استماع لأقواله بقضية اتهامه بالفساد: «بدأنا عملية واسعة النطاق في غزة»، مضيفاً «لم أطلب عقد جلسة سرية للاستماع إلى أقوالي كي يدرك الجميع أن دولة إسرائيل في موقف حاسم».

في موازاة ذلك، أفاد جيش الاحتلال بأن 3 فرق عسكرية شرعت في عملية عسكرية برية واسعة في أحياء شمال ووسط مدينة غزة ليل الاثنين ـ الثلاثاء.

وبالإضافة إلى ذلك لفت الجيش إلى أن فرقة أخرى تعمل مقابل بلدات النقب الغربي وتنفذ عمليات عسكرية باتجاه منطقة رفح وخانيونس، فيما تشن فرقة أخرى عمليات في شمال القطاع.

وفي وقت لم يحقق الجيش هدفي الحرب الرئيسيين، وهما هزيمة «حماس» وتحرير المحتجزين الإسرائيليين، منذ بدء الحرب التي تقترب من إتمام عامها الثاني، ذكر بيان لرئاسة الأركان أن «العمليات الهجومية واسعة ومتصاعدة، وتشكل استمراراً مباشراً لعملية عربات جدعون العسكرية، بهدف تحقيق أهداف الحرب وتعميق الإنجازات في إطار القتال».

وأضاف البيان أن «عمليات القوات بدأت بموجب الخطة العسكرية وستوسع بموجب تقييم الوضع» في المنطقة المكتظة بنحو مليون فلسطيني أغلبهم نازحون.

وفي حين يُقدّر الجيش وجود ما يصل إلى 3000 مسلح من «حماس» بالمدينة، ، دعا مسؤول سكان غزة إلى المغادرة الفورية والتوجه جنوباً، فيما قتل 68 فلسطينياً جراء القصف.

ورغم تكثيف عمليات ترويع السكان بإدخال عربات مدرعة مفخخة المدينة واستهداف الأبراج الشاهقة بقصف جوي ومدفعي بهدف نسفها بزعم استخدامها من «حماس» في الرصد والمراقبة، زعم المسؤول أن «الجيش يعتزم تنفيذ عمليات في مدينة غزة بسرعة لكن بشكل آمن مع إعطاء الأولوية لسلامة الرهائن. وسيزيد تدريجياً عدد قواته».

في هذه الأثناء، قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس، إن «غزة تحترق، والجيش يضرب البنى التحتية بقبضة من حديد، وجنوده يقاتلون ببسالة لتهيئة الظروف لإطلاق سراح الرهائن وهزيمة حماس».

في المقابل، خرج أهالي المحتجزين الإسرائيليين في احتجاجات وقاموا بالاعتصام أمام منزل نتنياهو لإعادة الرهائن ووقف العملية، فيما حذّر زعيم المعارضة يائير لابيد، من أن نتنياهو يخاطر بالدخول في معركة قد تستمر أكثر من عام دون خطة واضحة، محملاً إياه المسؤولية الرئيسية وراء عزلة إسرائيل.

ضوء وتحذير

وفي وقت زعم مسؤلان إسرائيليان أن نتنياهو حصل على ضوء أخضر منه لاحتلال مدينة غزة، ذكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنه قرأ تقريراً إخبارياً يفيد بأن «حماس» نقلت المحتجزين خارج الأنفاق لاستخدامهم كـ«دروع بشرية» ضد الهجوم البري المتصاعد. وقال ترامب: «آمل أن يدرك قادة حماس ما سيواجهونه إذا أقدموا على فعل ذلك»، مطالباً الحركة بإطلاق «سراح جميع المحتجزين الآن».

بدوره، شدد وزير خارجيته ماركو روبيو على أن «حماس» أمامها «مهلة قصيرة جداً» لقبول اتفاق وقف النار. وقال أثناء مغادرته دولة الاحتلال: «بدأ الإسرائيليون تنفيذ عمليات بغزة. لذلك نعتقد أن أمامنا مهلة قصيرة جداً للتوصل إلى اتفاق. لم يعد أمامنا أشهر، قد تكون أياماً، أو بضعة أسابيع».

وأضاف: «قطر هي الدولة الوحيدة القادرة على التوسط بشأن غزة ونأمل أن تستأنف الدوحة محادثات الصفقة رغم كل ما حدث». في إشارة إلى الاستهداف الإسرائيلي لقادة «حماس».

في المقابل، اتهمت «حماس» ترامب، «بتجسيد صارخ لازدواجية المعايير»، موضحة أنه يعلم أن نتنياهو يعمل على تدمير كل فرص الوصول إلى اتفاق يُفضي إلى «الإفراج عن الأسرى ووقف حرب الإبادة الوحشية».

إلى ذلك، دعا المفوض الأممي لحقوق الإنسان فولكر تورك إسرائيل إلى وضع حد «للمذبحة» ووقف تدميرها الغاشم لغزة، مشيراً إلى «أدلة متزايدة على ارتكاب إسرائيل للإبادة».

وأكدت لجنة التحقيق الدولية ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة، ودعت دول العالم إلى الوفاء بالتزاماتها للجمها ومعاقبة المسؤولين عنها.

وخلص تقرير اللجنة إلى أن سلطات الاحتلال ارتكبت في غزة 4 من أصل 5 أفعال إبادة جماعية محددة في «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها».

وأوضح أن الأفعال هي «القتل، وإلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم، ومفاقمة متعمدة للظروف المعيشية للفلسطينيين إلى حد تدميرهم كلياً أو جزئياً، وتطبيق إجراءات تهدف إلى منع الإنجاب».

وأكد أن تصريحات المسؤولين المدنيين والعسكريين الإسرائيليين، بالإضافة إلى ممارسات قوات الأمن، «تُثبت أن أعمال الإبادة الجماعية هذه ارتُكبت بقصد تدمير الفلسطينيين في قطاع غزة كلياً أو جزئياً».

نازحون من مدينة غزة يتجهون نحو جنوب القطاع (رويترز)

انتقادات دولية

في غضون ذلك، توالت ردود فعل دولية وإقليمية محذرة من التصعيد الإسرائيلي، إذ اعتبرت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر أن العملية «متهورة ومروعة»، مؤكدة أن هناك حاجة ملحة إلى «وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع المحتجزين، والسماح بدخول المساعدات دون قيود، ووضع مسار نحو سلام دائم».

وفي بروكسل، اعتبر الاتحاد الأوروبي أن توسيع عملية غزة سيسبب «المزيد من الدمار والموت والنزوح ويعرض حياة الرهائن للخطر»، فيما أعلنت متحدثة باسم المفوضية الأوروبية، أن زعماء دول التكتل سيوافقون اليوم على فرض عقوبات اقتصادية جديدة على إسرائيل.

وبينما تواصل تصاعد التوتر الدبلوماسي بين تل أبيب ومدريد بسبب دعم الأخيرة للفلسطينيين، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نتنياهو بأنه «قريب أيديولوجياً» من الزعيم النازي أدولف هتلر، وتوقع أنه سيلقى مصيره.