مع دخول ولاية دونالد ترامب شهرها التاسع، تظهر علامات عجزه في حمله لراية «السلام العالمي»، فاستمرار كلتا الحربين، الأوكرانية- الروسية، و«حماس» وقوات الاحتلال، يصوِّر مرور الرئيس بمخاض سياسي عسير. فالاعتداء الإسرائيلي على قطر، قطع «الحبل السري» الذي كان يُلوِّح به الرئيس الأميركي. الهجوم لم يستهدف اجتماعاً لقيادات «حماس» وحسب، إذا قارناه بدقة ضربة استهداف اجتماع حزب الله ومقتل قياداته، بل كان اختباراً لردود الفعل، خصوصاً بعد إعلان نتنياهو عن وَهْم «إسرائيل الكبرى» في أغسطس الماضي.
بنيامين نتنياهو أو «بيبي»- وهو اسم مُختصر يدعوه به أنصاره- يعيش أزمةً وجودية ما بين قضايا فساد والرشوة وتخلي التيارات السياسية عن حكومته. وللنجاة استعان بزبانية اليمين المُتطرِّف، وأصبح دُمية بين يدي الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش، اللذين وصفهما رئيس جهاز المخابرات السابق بأنهما إرهابيان، فالأول مؤيد لاغتيال رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين عام 1995، وخضع لمحاكمة لدعمه للإرهاب، والثاني لديه أنشطة إرهابية، إلا أنه «لم يُحاكم كما يحاكم الفلسطينيون».
يرى نتنياهو أن طوق نجاته في إشاعة الفوضى، وعدم الاستقرار، ليصنع لنفسه دوراً لا غنى عنه في نظر الداخل والخارج، فهو يُدرك أن استقرار الأوضاع يعني نهاية مسيرته السياسية المُصابة بجنون «البقرة»، لا «العظمة»، فوجد ضالته في حرب 7 أكتوبر، حتى جاء الاعتداء على الدوحة، ليُعيد خلط الأمور، ويزيد من تعقيد المشهد في الشرق الأوسط.
أما ترامب، الذي غيب عن قرار الهجوم، فظهر أنه طلب خلال مكالمة «حادة» من نتنياهو- كما وصفتها صحيفة وول ستريت- بعدم تكرار الهجوم، ومن دون إشارة إلى تصدٍّ أميركي من قاعدة العديد، حتى لحفظ ماء الوجه في حال تكرر الهجوم مستقبلاً.
في المقابل، تسلك دول الخليج طريق الحوار للسلام، ولعل آخرها إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة، بأغلبية ساحقة، لإعلان حول حل الدولتين بخطوات محددة زمنياً، في مبادرة دعمتها السعودية وفرنسا، وقاطعتها أميركا وإسرائيل.
الأنظار اليوم تتجه إلى القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، ومُخرجاتها ستحدِّد ملامح المرحلة المقبلة. ويبدو أن الرئيس الأميركي عالق ما بين ولادة متعسرة لسلامٍ موعود، وولادة مشوهة لسياساته. يبقى الشرق الأوسط في مخاضٍ صعب.