جرت العادة في مصر القديمة أن يدفن الفراعنة أنفسهم في نعوش متخمة بالذهب والمجوهرات الثمينة والتمائم علها تعينهم في رحلتهم إلى العالم السفلي، واليوم تشبه منطقتنا توابيت الفراعنة المزخرفة المليئة بالآثار والملاعب والمتاحف والأبراج وكل التمائم الحديثة التي تتلألأ لكنها لا تتنفس، تُشتت الانتباه لكنها لا تقضي على الشعور بالذنب وعذاب الضمير... لا تنبئ بالحياة بل تبعث صمت القبور.

لطالما شكل النضال الفلسطيني مرآة في ضمير ووجدان العالم العربي، وغزة اليوم تعكس صورتنا بوضوح صارخ، فالتاريخ يعري الأوهام، والآخرون الذين بينهم وبيننا بحار ومحيطات، ولا تجمعنا بهم لغة ولا دين ولا تاريخ، يجتاحون الشوارع ويواجهون الشرطة ويتعرضون للاعتقال ويُطردون من وظائفهم، لأنهم يؤمنون أن الصمت تواطؤ بينما مياديننا خاوية وشوارعنا رتيبة في صورة تتجاوز عجزنا السياسي لتظهر تآكلنا الإنساني والأخلاقي.

أمام غزة الغارقة في الجوع والخراب ما قيمة مشهد كأس العالم لكرة القدم بكلفتها المليارية؟ وفي لحظة انتشال الأطفال من تحت الأنقاض ما معنى إنفاق مئات المليارات على توظيف نجوم الرياضة والمدن المستقبلية والمتاحف ودور الأوبرا وكل المعالم التي تجسد الطموحات العالمية؟ هل يخفف كل هذا من عار الصمت أمام إبادة جماعية يشهدها العالم كله عبر البث المباشر؟!

Ad

في مفارقة جلية تسوّق منطقتنا نفسها كمركز للقوة الناعمة وملتقى للثقافات، فتمول المعارض وفعاليات التبشير بالحوار والانفتاح والتسامح، وحين ينادي التاريخ ويطرح السؤال الأخلاقي يتحول الجميع إلى مجرد متفرجين... هو واقع منطقة تتوق لاستضافة العالم كله، وفي الوقت نفسه تغلق فضاءات الخطاب العام وحرية التعبير في وجه شعوبها.

يوماً ما سينصهر الذهب وترحل المتاحف من حيث جاءت وملاعب كرة القدم ستبتلعها الرمال، ما سيبقى ويدوم حينها هو الكرامة التي لا يمكن استيرادها أو انتحالها أو شراؤها، بل يجب أن تُزرع وتُروى وتحمى من أهلها.

منطقتنا الآن نعوش محكمة الإغلاق مفرغة من الهواء لامعة من الخارج، خاوية من الداخل... وحين يكشف التاريخ عنها يوماً الغطاء هل سيجد تمائم أم أصواتاً؟!

*مسرحي كويتي