في عالم يتغير بسرعة البرق، أكبر خطأ قد تقع فيه الوزارات والمؤسسات هو أن تترك موظفيها أسرى الأمس. ولأن كل شيء قابل لإعادة التشغيل، حتى نحن.... ففي كل أسبوع، نأخذ لحظة تأمل نراجع فيها عادةً، فكرةً، أو علاقةً، ونسأل أنفسنا: هل نستمر بها؟ أم نضغط زر «ريستارت»... ونبدأ من جديد؟

إذا كان هناك ملف يحتاج اليوم إلى «ريستارت»، فهو ملف الموظف الذي أنهكته البيروقراطية وأعاقه الروتين حتى بات العمل مجرد توقيع حضور وانصراف. لم يعد مقبولاً في زمن السرعة والتحولات الكبرى أن يظل الموظف أسير التكرار، يؤدي المهام كما لو كانت عبئاً لا رسالة، ووظيفة لا قيمة. إننا بحاجة إلى عقل وظيفي جديد، عقل يواكب الحاضر، ويتهيأ للمستقبل، عقل يضيف ولا يستهلك، ويبتكر ولا يكرر.

لقد ألهمني بودكاست استمعت إليه مؤخراً للأستاذ حازم النجار، المستشار في الموارد البشرية، عن «مثلث النجاح» حين أكد أن نجاح أي موظف مرهون بامتلاك ثلاث ركائز: معرفة محدثة لا تتوقف، ومهارات عملية تُصقل بالتجربة، وقيم ومبادئ تشكل جوهر شخصيته الوظيفية. كلمات بليغة تحمل جوهر التحول المطلوب، فالشهادة وحدها لا تكفي، والسير الذاتية لا تعكس سوى صورة جامدة، بينما النجاح الحقيقي يُقاس بالمعرفة المتجددة والشغف بالتعلم والقدرة على الإبداع في ساحات العمل.

Ad

إن الموظف اليوم لا يُطلب منه أن يجلس خلف مكتب فحسب، بل أن يكون مشاركاً في صناعة التغيير. أن يرى في عمله فرصة لإطلاق أفكاره لا مجرد واجب يومي، أن يتحول من منفذ للتعليمات إلى شريك في اتخاذ القرار، ومن حافظ للإجراءات إلى صانع للحلول، وهذا يتطلب من المؤسسات أن تعيد النظر في أنظمة التقييم والتطوير، وأن تجعل التدريب والتثقيف رحلة مستمرة، لا مناسبة موسمية. فالتكنولوجيا مهما بلغت من تطور لن تصنع مؤسسة قوية ما لم يكن موظفوها أقوياء، أذكياء، مبدعين مؤمنين أن العمل رسالة.

ولعل من الذكاء المؤسسي أن ندرك أن التحديث لا يقتصر على الموظفين الحاليين فحسب، بل يشمل أيضاً الاستفادة من طاقات المتقاعدين. فكم من خبرات تراكمت عبر السنين ثم تركت لتتوارى خلف جدران الصمت، بينما كان يمكن أن تتحول إلى مدارس حقيقية للتعلم والابتكار. إن دمج هذه الخبرات في برامج استشارية أو تعليمية أو حتى منصات ابتكار، كفيل بأن يثري المؤسسات بعمق التجربة ويمنح الأجيال الشابة بوصلة أكثر وضوحاً. وحين يشعر المتقاعد إن خبرته ما زالت مطلوبة فإننا لا نكتسب خبرة فقط، بل نكسب ولاءً مجتمعياً وحافزاً جديداً للحياة.

إن الموظف ليس ترساً في آلة بل عقل وقلب وروح، وإذا فقد شغفه فقدت المؤسسة روحها. لذلك فإن الاستثمار في الموظف هو أعظم استثمار وطني، لأنه ينعكس على جودة الخدمة ورضا المواطن ونهضة المجتمع كله.

فلنضغط هذا الأسبوع زر «ريستارت»... ليس لنعود إلى الوراء، بل لنُطلق شرارة جديدة في عقول موظفينا، نحررهم من أسر الروتين، ونمنحهم شغف التجديد وإبداع التغيير ووعي المسؤولية. عندها فقط نصنع مؤسسات تنبض بالحياة، ومجتمعات تنمو بالعمل، وأوطاناً تمضي بثقة إلى المستقبل.

* إعلامية بحرينية