في مقال الخميس الماضي بيّنتُ بعض إنجازات المجالس السابقة في مجالات المال العام ومكافحة الفساد وتشريع القوانين الإسلامية وتحقيق مصلحة المواطن، وهي إنجازات لا ينكرها أي منصف، واليوم نتصدى لاتهام المجلس بأنه المسؤول عن التجنيس الكبير والعشوائي والعبث بالهوية الكويتية.

وأولى محطات تصدينا لهذا الاتهام كانت في مجلس 1963، فقد سعى الأعضاء ونجحوا بعد نقاش مرير في تمرير اقتراح أو قرار لوقف التجنيس مدة عشر سنوات، والمحطة الثانية كانت قبيل انتخابات عام 1971، حيث قامت الحكومة بتجنيس أعداد كبيرة بالجنسية الأولى، مما أدى إلى استقالة مسؤول كبير في الدولة، وأيضاً قامت القوى الوطنية بقيادة جاسم القطامي بدعوة المواطنين إلى مقاطعة هذه الانتخابات واعتبارها انتخابات مزورة تزويراً غير مباشر، وقد عارض د. أحمد الخطيب هذا التجنيس، إلا أنه عارض المقاطعة أيضاً. والمحطة الثالثة كانت في مجلس 1981 عندما خشي بعض النواب من العبث في الجنسية فقاموا بإقرار مادتين للحد من الواسطة، وإطلاق يد الحكومة في التجنيس، الأولى هي حصر الجنسية الكويتية بالمسلم، والثانية هي وجوب تحديد العدد الذي يمكن منحه الجنسية سنوياً بقانون، وأضيفت هاتان المادتان إلى المادة الرابعة من قانون الجنسية.

Ad

والمحطة التالية كانت في مجلس 1985 حيث حاول العضو ناصر البناي ومعه العضو محمد المرشد وكاتب هذه السطور اقتراح تشكيل لجنة تحقيق في التجنيس، ولكن تم الحل دون مناقشة وإقرار هذا الاقتراح.

والمحطة التالية كانت في عام 2005 عندما أبدى بعض النواب اعتراضهم على التدخل والواسطات في التجنيس، وكان للنائب محمد الصقر كلمة مسجلة تبين اعتراضه هو وكثير من الأعضاء على التجنيس الذي كان يمارس في ذلك الوقت.

وبعدها وفي جلسة 2019/12/24 صوّتت الحكومة ضد اقتراح النواب بإنشاء لجنة تحقيق في تزوير الجنسية.

وقد يقول قائل: ولكن المجالس الأخيرة كانت تطالب بتجنيس ألفين أو أربعة، هذا صحيح، ولكن يجب الانتباه إلى أمرين، الأول أن مطالبة بعض الأعضاء بتحديد العدد الذي يجوز تجنيسه هي تطبيق للقانون السابق الذي أقره مجلس 1981، وهي لتحديد الحد الأعلى المسموح به ولا تُلزم الحكومة بأي عدد أو أي أشخاص، وكان عدد الذين تم تجنيسهم في كل مرة أقل بكثير من الحد الأعلى الذي قرره المجلس، وعندما حاول بعض الأعضاء تغيير القانون إلى الحد الأدني بدلاً من الأعلى فلم يوافق المجلس ورفضت الحكومة، والثاني أنه قد مرت سنوات ولم تُستخدم هذه المادة الرابعة، وكانت الحكومة فيها تمنح الجنسية وفقاً للمادتين الخامسة والثامنة.

أما حجة بعض الإخوة أن بعض النواب كانوا يضغطون على الوزراء لتجنيس معارفهم وتهديدهم بالاستجواب، فإن هذا - وإن كان واقعاً- فهو خطأ وعيب في الوزير، لأنه يملك سلطة القرار، وحيثما تكن السلطة تكن المسؤولية شرعاً وقانوناً، وكان على الوزير ألا يخضع لضغوط الأعضاء، وهناك وزراء معروفون رفضوا تدخل النواب في أعمالهم وسلطتهم.

وهكذا يتبين من هذا العرض أن الحكومة هي المسؤول الأول عن التجنيس منذ البداية، وأن مجلس الأمة، خصوصاً قبل الغزو، كان هو الرافض والمتحفظ والمقيّد لهذا التوجه، ولكن ضعف هذا التوجه في المجلس بالسنوات الأخيرة.