ياه... ما شاء الله، تتذكرهم أطفالاً بالأمس، اليوم أنت مدعو لحفل زواجه وزواجها، ياه... (يعني يا إلهي)، «شلون؟!»، كيف مضى الزمن؟! عشرون، ثلاثون، أربعون سنة... أطفالاً كانوا، تتذكرهم بالأمس أصبحوا فجأة عرائس وعرساناً. لم تتغيّر الأمور كل هذا الزمن الذي مضى، لكن هل مضى الزمن حقاً؟!... لا تدري.
لا جديد غير أن أذنيك كبرتا وأصبحتا أقرب إلى حالة التيس أو المعزة، هما غير متناسبتين أبداً مع هزال الوجه، الوجنتان متدليّتان، هناك شبه من كلب البوكسر، تسير بوهن، العينان غائرتان، انطفأ وهج الشباب والحياة منهما، لا تتذكر العديد من الأصدقاء والمعارف، معظمهم رحلوا عن العالم، أو يمكن أن تصادفهم في دهاليز مستشفى للأمراض المستعصية... مفروض أن تكون هناك ديوانية في تلك المستشفيات للاجتماع مع الشلّة القديمة المنتظرة في صالة المغادرين بمطار الرحلة الأخيرة.
قُذفَ بنا للوجود، لم يكن لنا اختيار للزمان/ المكان، نسينا في أيام الشباب أن الزمن يمضي وأن هناك نهاية، شُغلنا بعرَض الدنيا، سيارة فخمة جديدة فيها «أكزوزين» وتشخر وتنخر بشوارع الأمس تجذب الانتباه إلى شخصية النجم الشاب الذي يقودها مستعرضاً... منزل فسيح وأثاث فرنسي من «روش بوبواه»... لا تعرف معنى تلك الماركة المشهورة، هل كانت شتيمة أم مدحاً، أو هو اسم على غير مسمّى. هو دال بمدلول الأبّهة والفشخرة.. انتهت تلك الأيام، مضت، أبداً لم تمضِ.. هي باقية في شريط الزمان/ المكان... أينشتاين يقول ذلك.
ماذا تملك اليوم غير الذكريات عن أيامك الحلوة؟ تتحسف وتتحسر دون جدوى، لست مارسيل بروست كي تبحث عن الزمن الضائع، ولا هذه ضاحية «كومبراي» الخيالية ولا تفتح لنا كعكة صغيرة بوابة الذكريات.
يقولون إن الزمن غير محدود، مطلق، نعرفه فقط بالحدث، يوم ولادتك كان حدثاً، ولحظة رحيلك ستكون حدثاً غير مهم، فالملايين يولدون ويموتون كل لحظة، وليس هناك مَن يتذكرهم، وبين ولادتك ورحيلك لا شيء غير أحداث لا تمضي وإنما تدقّ مسامير بارزة على صفحة وجودك... لنبحث عن ديوانية بصالة انتظار في مستشفى كبير، نتسامر فيها ونقرأ بصحفنا الدسمة كيف تضرب الدفوف بالمقلوب بأخبار ومقالات «ذهب الليل طلع الفجر والعصفور صوصو».