هل هجرت رواياتنا.. هويتنا الثقافية؟.. سؤال قد يتبادر للأذهان وسط التغيير المتسارع لمجتمعاتنا الخليجية.. وأقول ذلك بعدما استوقفني قبل عده أيام مقال بصحيفة الشرق الأوسط للكاتبة مريم الهاشمي حول كتابها «التحولات السردية في الأدب الإماراتي»، متخذة من الرواية الإماراتية نموذجا، فقدمت قراءة لبعض الروايات الإماراتية الحديثة لتكشف من خلالها التحولات السردية.. والتحول السردي مهم في يومنا هذا بسبب ارتباطه بأسلوب إدراك الأحداث، بل والشخصيات السردية، أي القصة أو الرواية حول تسلسل الأحداث والأماكن بأسلوب لإيصال الفكرة متناولة الحبكة والأفراد والمكان والموضوع.

الباحثة تذكر عناصر السردية كمكان الظهور والزمان والمراحل التاريخية وتضيف لها تحليل الرواية كنوع من»الأجناس الأدبية المتشعبة والمتنوعة» والتي تمتاز بخصوصيتها.. وتشير الى أن الرواية في أواخر القرن التاسع عشر قد اقترنت بوظيفة الفكاهة والتسلية، ثم اتخذت نمطا آخر يتمثل في التعليم والوعظ والإرشاد. بعد ذلك اندرجت بأسلوب علمي باتجاهات متعددة أهمها الاتجاه الرومانسي والتاريخي والواقعي أما الروايات الجديدة فبدت تتأثر بمجتمع الإمارات بسرعة تغييره وانفتاحه وأثر ذلك على التعبير عن الواقع والذات واللغة أو اللغوية، فتطورت وتمردت، على حد تعبير الكاتبة، على القوالب الكتابية المعروفة.

Ad

وتصف الكاتبة الرواية الإماراتية بأنها نص تخييلي سردي يدور حول شخصيات متورطة في حدث، وهي أيضا تمثيل للحياة والتجربة واكتساب المعرفة، أما الهوية الثقافية للمجتمع، فاختارت الكاتبة رواية «ثلاثية الدال» لنادية النجار، التي تمحورت حول أحداث فترة الستينيات، واختارت أيضا «رحلة غريسة» للكاتبة فاطمة الشامسي، والتي أصبحت مرجعا لعادات والتراث للحياة في الإمارات، ورواية «رياح من طشقند» لمنى التميمي، ورواية «في فمي لؤلؤة» لميسون القاسمي.

وهنا أتوقف عند رواية «في فمي لؤلؤة»، التي تميّزت بقراءة فريدة من نوعها لتاريخ اللؤلؤ في منطقتنا وثقافة البحر والغوص وقصص الحب وجرأة امرأة تصبح تاجرة معروفة بالهند.. وقد تقفز للذاكرة أحداث فيلم «بس يا بحر» الفيلم الكويتي الذي للمناسبة كاتبه إماراتي هو عبدالرحمن الحمادي، وتناولت الأحداث قسوة حياة البحارة في فترة ما قبل النفط وتضمن سردية للحياة بكل ما فيها من عادات وتقاليد، بل وقدّم الفيلم نقدا جريئا لبعض العادات الاجتماعية كالزواج بسنّ مبكرة.

القصة ربطت الإبداع الأدبي والفني بالبحر وبالمجتمع الكويتي بشكل خاص والخليج بشكل عام.. من خلال صراعهم مع البحر لتأمين لقمّة العيش بحثا عن اللؤلؤ، ولدينا في هذا المجال رواية ليلى العثمان «وسمية تخرج من البحر»، والشاعر الكويتي محمد الفايز في ديوانه «مذكّرات بحار». ومن ديوانه يأتي عنوان المقال.

الموضوع بلا شك لافت للنظر، فالرواية بالدول الخليجية وصعودها الى المسيرة الروائية بإيقاع متسارع، وإيقاع الرواية الكويتية وانطلاقها يدفعنا للحديث عن الحاجة إلى الاهتمام بالرواية الخليجية وتتبّع مسارها والعوامل التي تأثرت وأثرت بها، لعلنا ننسج نسيجا متكاملا يمزج التراث بالحضارة.. وللحديث بقية.