خلال عهد جو بايدن، اعتاد الجمهوريون مهاجمة وزير الصحة والخدمات الإنسانية، كزافييه بيسيرا، باعتباره غير مؤهل للمنصب. لكن ما بدا حينها عجزاً بسيطاً، تحوَّل اليوم في إدارة دونالد ترامب إلى فوضى مكتملة الأركان مع الوزير الحالي روبرت إف. كينيدي الابن.
كينيدي جمع بين ضعف الكفاءة وهواجسه الشخصية، فحوَّل الوزارة إلى ما يُشبه «سيرك الماعز»، كما تصفه الصحافة الأميركية، سلسلة لا تنتهي من الإقالات والاستقالات، والتراجعات السياسية، وتضارب المصالح، وانعدام الشفافية. المؤسسات التابعة له - إدارة الغذاء والدواء، مراكز السيطرة على الأمراض، والمعاهد الوطنية للصحة - كانت تعاني أصلاً تسييساً مفرطاً وفقدان ثقة. أما الآن، فهي تغرق في مشكلات أعمق، بسبب أسلوب الوزير.
مؤيدو حركة «اجعلوا أميركا صحية مجدداً» يرون أن الهجوم عليه أيديولوجي، لكن الحقيقة أبسط: حتى إذا تجاوزنا الجدل حول اللقاحات أو الأغذية المصنعة، يبقى السؤال عن الأداء والإدارة. فوزارة الصحة تُشرف على ربع الإنفاق الفدرالي، وتتطلب رؤية واضحة وكفاءة تنفيذية، فيما كينيدي يسير باتجاه مختلف.
على عكس زملائه في الحكومة الذين ينفذون أجندة ترامب - من ماركو روبيو في «الخارجية» إلى بروك رولينز في «الزراعة»، ولي زيلدين في وكالة البيئة - يتعامل كينيدي مع المنصب كمنصة شخصية، يُعيِّن أصدقاء من عالم المحاماة في مواقع حساسة، ويُطيح مسؤولين بعد أسابيع من تعيينهم، كما حدث مع مديرة الـ CDC سوزان موناريز، التي أشاد بخبرتها «اللامثيلة لها»، ثم أقالها خلال شهر واحد.
النتيجة: ارتباك داخلي، وشلل إداري. لا أحد يعرف مَنْ يقود الـ CDC أو الـ FDA، ولا كيف ستستقر السياسات. حتى في مجلس الشيوخ، لا يتجاوز عدد داعميه الحقيقيين من الجمهوريين أصابع اليد الواحدة، فيما يفضِّل الآخرون الصمت.
هذه الفوضى تطغى على نجاحات أخرى لإدارة ترامب. فبدل الحديث عن تراجع معدَّلات الجريمة في واشنطن أو عن خطط الإسكان، تتصدَّر عناوين الإعلام أزمات كينيدي. والأسوأ أنها تجر معها بقية الإدارة، إذ تصف تقارير صحافية سياساته كجزء من «نمط ترامب 2.0» في تسييس العلم، ما يسيء لوزراء آخرين يحققون إصلاحات ملموسة.
المعضلة واضحة: وزارة الصحة هي الاستثناء الوحيد في حكومة ترامب، حيث تسود الفوضى بدل الانضباط. الرئيس ربما أراد تكريم خصمٍ سابق عبر منحه منصباً رفيعاً، لكن المنصب ليس جائزة ترضية. وكما تقول كيمبرلي ستراسل، فإن كينيدي حصل على فُرصته، وأثبت عجزه.
اليوم يحتاج ترامب إلى التفكير بجدية: هل يواصل تحمُّل هذا العبء السياسي الذي يقوض إنجازاته، أم يفتح الباب أمام شخصية أخرى أكثر قدرة على الإدارة والتحوُّل؟
* كيمبرلي أ. ستراسل