في أول رد فعل لـ «حزب الله» على جلسة مجلس الوزراء اللبناني التي بحثت أمس الأول (الجمعة) خطة الجيش لتنفيذ قرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة بحلول نهاية العام، قال القيادي في الحزب محمود قماطي، أمس، إن تنفيذ قرار الحكومة الصادر في جلستي 5 و7 أغسطس الماضي «مجمد حتى إشعار آخر».
وبعد ترحيب رئيس البرلمان نبيه بري زعيم حركة أمل الشيعية بنتائج الجلسة، اعتبر قماطي في تصريحات لـ «رويترز»، إن جلسة الحكومة التي انسحب منها الوزراء الشيعة، تتيح «الفرصة للعودة إلى الحكمة والعقل، منعاً من انزلاق البلد الى المجهول».
وأشار القيادي في «حزب الله» إلى أن هذا التقييم جاء بناء على ما أعلنته الحكومة أمس الأول أن تنفيذ قرارها حول حصر السلاح، الذي تم إصداره بناء على خريطة طريق أميركية، مرهون بالتزام إسرائيل.
وقال في هذا السياق: «إعلان الحكومة أن أي تقدم في تطبيق مندرجات الورقة الأميركية مرهون بالتزام إسرائيل يعني أن التنفيذ مجمد حتى إشعار آخر». وكانت إسرائيل قد ربطت انسحابها من المناطق التي تحتلها في جنوب لبنان باتخاذ الجيش إجراءات لنزع سلاح الحزب.
في الوقت نفسه، جدد قماطي رفض الحزب القاطع لقرار الحكومة الصادر في جلستي 5 و7 اغسطس، والذي كلف الجيش اعداد خطة لـ «حصر السلاح» بيد الدولة ونزع سلاح كل الميليشيات بما في ذلك «حزب الله».
وقبل موقف قماطي الأكثر توازناً، جدد النائب عن «حزب الله»، علي عمار، رفض الحزب تسليم سلاحه، قائلا إن «سلاح حزب الله لا يسحبه إلا الله».
وقال وزير التنمية الإدارية، فادي مكي، وهو وزير شيعي خامس من خارج حركة أمل و«حزب الله»، وكان محسوبا على رئيس الجمهورية، جوزيف عون، إنه «لم يعد هناك مدة زمنية لحصر السلاح»، مضيفاً أن «الجميع رحب ووافق على خطة الجيش».
من ناحية أخرى، يرى مراقبون أن الحكومة بقيادة نوّاف سلام هي مسار الصدام الذي كان متوقعاً، وقد تمسكت بقرارها، وبتكليف الجيش في تطبيقه، لكن من دون جدول زمني محدد، وأنه بهذه الصيغة كل القوى باتت تعتبر نفسها أنها ربحت وحفظت ماء وجهها، وهو ما ترجم بالمواقف المتعددة التي رحبت بنتائج الجلسة.
وحسب المعلومات، فإن الخطة التي عرضها الجيش اللبناني لم تتضمّن أيّ مُهلٍ زمنيّة، وهي تحتوي على 5 مراحل، تبدأ باستكمال عمل الجيش في منطقة جنوب «الليطاني»، ثم الانتقال إلى المنطقة بين نهر الليطاني ونهر الأولي، وبعدها إلى بيروت وضواحيها ومحيطها، ثم إلى البقاع، على أن تكون المرحلة الخامسة لحصر السلاح بيد الدولة على الأراضي اللبنانية كاملةً.
وأشارت المصادر إلى أنّ خطة الجيش جاءت مُحكَمة، وتضمّ كل القدرات التي يمكن للجيش العمل في إطارها، إضافة إلى الإشارة إلى المعوّقات والصعوبات، ولا سيّما الاحتياجات التي ستكون المؤسسة العسكرية في حاجة ماسّة إليها، مثل زيادة الأعداد البشرية، والحصول على مساعدات هندسية وتقنية ولوجستية وعسكرية، لاستكمال بسط سلطته وسيطرته على كل الأراضي اللبنانية.
وأفادت بأنّ الجيش اللبناني هو الذي سيقرّر كيفية التحرّك في مختلف المناطق في عملية سحب السلاح وفق ما يراه مناسبا لإمكاناته، مع الإشارة إلى أنّه سيقدّم تقريرا مفصّلا عمّا يقوم به شهريا إلى الحكومة.
ووفق الخطة، فإنّ وقف الاعتداءات الإسرائيلية والانسحاب هما من الشروط الأساسية لتحقيق خطة انتشار الجيش الكاملة على كل الأراضي اللبنانية.
كما تنصّ الخطة على تعزيز الانتشار العسكري والحواجز في مناطق عديدة لمنع عمليات نقل الأسلحة أو تهريبها، وضبط الحدود اللبنانية ـ السورية، وإغلاق المعابر غير الشرعية، ومنع تهريب الأسلحة والمخدّرات، إضافةً إلى استكمال إجراءات سحب السلاح من مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين.
وهنا لا بد من العودة إلى تلويح «حزب الله» بوقف التعاون مع الجيش في جنوب نهر الليطاني له رسائل متعددة، أولاها أنه يحتفظ بمواقع ومراكز عسكرية في تلك المنطقة. وأنه في حال قررت الدولة اللبنانية مواصلة الضغط والإصرار على قرارها بسحب السلاح ضمن مهلة نهاية السنة الحالية، فإنه سيوقف كل أشكال التعاون. وكان «حزب الله» بذلك يفتح الباب امام الحكومة والجيش للقول إن الاولوية الآن لمنطقة جنوب الليطاني الحدودية في أي خطة لنزع السلاح، وذلك لنزع فتيل اي حرب محتملة مع اسرائيل.
ويبدو أن الجيش تلقف ذلك، إذ إنه لدى تقديم قائد الجيش رودولف هيكل عرضه للخطة، أشار إلى أنه يجب استكمال العمل في جنوب نهر الليطاني ثلاثة أشهر، هذه المدة هي التي كانت قد حددت في الورقة الأميركية وتنتهي مع نهاية السنة. وبذلك يستكمل الجيش مهامه من دون الانتقال إلى شمال النهر التي يرفض «حزب الله» كلياً العمل على سحب السلاح منها. ولكنّ جانبا مما تتضمنه خطة الجيش هو إقامة حواجز ومنع عمليات نقل الأسلحة أو تحريك أي سلاح في شمال «الليطاني».
الوزير فادي مكي: لم يعد هناك مدة زمنية لحصر السلاح
بعيداً عن ذلك، تسعى الأطراف المختلفة على تنوعها إلى إطلاق تفسيراتها المتناقضة لما جرى في الحكومة أخيراً. لكن الحزب يعتبر نفسه أنه حقق ما يريد بالتحرر من مسألة الجدول الزمني لسحب السلاح، وبذلك سيعتبر الحزب أن مداه مفتوح بانتظار ما ستحمله تطورات المنطقة طوال هذه الأشهر، وتكون الصورة الإقليمية اتضحت على مختلف المستويات، لا سيما في مسار التفاوض الإيراني - الأميركي.
في كل الأحوال وبمعزل عن كل التفسيرات، فإن مبدأ حصر السلاح قد أقر عملياً، والقرار اتخذ من دون تراجع عنه، أما التنفيذ فيرتبط بجملة معطيات أولها الوضع الداخلي وما هو متاح للجيش وأمامه، إضافة إلى التطورات الإقليمية، ولا سيما الرؤية الأميركية لما سيكون عليه الوضع لاحقاً، وهو ما سيظهر اولا من خلال رد الفعل الاميركي والإسرائيلي على ما جرى في «جلسة الجمعة» وكذلك من خلال حجم الاهتمام الاميركي بدور الجيش، وهو ما سيتجلى من خلال انخراط أكبر وتفعيل عمل لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، والتي تبدأ نشاطها اليوم من خلال اجتماع اللجنة بحضور الموفدة الأميركية، مورغان أورتاغوس، وقائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي براد كوبر.