احتضن مسرح الفلكي بوسط العاصمة المصرية (القاهرة)، ليلتين من عروض المسرحية السعودية (طوق)، ضمن فعاليات الدورة الثانية والثلاثين من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي.

جذبت المسرحية جمهوراً متنوعاً من المسرحيين والنقاد والمهتمين بالفنون الأدائية، لتمثل المشاركة محطة جديدة في مسيرة هذا العمل، الذي جاب مهرجانات عالمية، مثل: أفينيون الفرنسي، وفرينج إدنبرة البريطاني، ليصل إلى القاهرة مُحمَّلاً بتجربة لافتة من التفاعل مع جمهور مختلف.

Ad

كتب نص المسرحية أحمد آل بن حمضة، وأخرجها فهد الدوسري، فيما تولى الأداء مجموعة من الممثلين الشباب، الذين شكَّلوا معاً لوحة متماسكة على الخشبة، هم: مريم حسين، وأحمد الذكر الله، وفاطمة الجشي، وعبدالعزيز الزياني، وخالد الهويدي، وشهاب الشهاب، مع التركيز على إبراز الصراع النفسي والقلق الوجودي عبر لغة جسدية دقيقة، من دون أن تنجرف إلى الاستعراض أو المبالغة.

من الناحية الدرامية، فإن «طوق» تقدِّم سرداً دائرياً يعكس فكرة الدوران داخل قيد لا يمكن كسره بسهولة.

القصة تنطلق من مجموعة موظفين غارقين في الروتين اليومي، يعيشون تحت سُلطة نظام جامد يكرر ذاته، حتى يحاول رئيس القسم في لحظة ما أن يثور ويكسر الطوق، لكن الحدث سرعان ما ينتهي بالعودة إلى نقطة البداية، في بناء مسرحي يذكِّر بمفهوم العبث كما عرّفَته تيارات المسرح الأوروبي في القرن الماضي. هذه الدائرية لم تكن مجرَّد حيلة شكلية، بل أداة نقدية تعبِّر عن عجز الإنسان المعاصر عن الانفلات من دوائر العمل المرهق وضغط الحياة اليومية.

اعتمد إخراج المسرحية على البساطة في السينوغرافيا، مقابل تكثيف التعبير الجسدي. فالمخرج فهد الدوسري حافظ على رؤيته القائمة على إبراز الممثل كعنصرٍ محوري داخل الفضاء المسرحي، فالحركة المنتظمة التي تتحوَّل تدريجياً إلى رتابة خانقة منحت العرض قوة بصرية، ساعدت الجمهور على الشعور بالضغط ذاته الذي يعيشه الأبطال. كما جاءت الإضاءة والموسيقى في خلفية محسوبة بعناية، لتضيف طبقات من الإحساس بالدوام والتكرار.

النقد الأبرز الذي يمكن توجيهه إلى العرض يتمثل في اعتماده شبه الكامل على اللغة الرمزية والإشارات الجسدية، وهو ما قد يضع بعض المشاهدين أمام تحدٍّ في متابعة المعنى أو ربط الرموز بمغزى واضح. لكن هذه السمة نفسها هي ما منحت «طوق» خصوصيته كعرض تجريبي يضع المتلقي أمام مهمة المشاركة في إنتاج الدلالة، بدلاً من الاكتفاء بالتلقي السلبي، ليكون أحد العروض المتنافسة على جوائز المهرجان المسرحي العريق.