لأن كل شيء قابل لإعادة التشغيل... حتى نحن، ففي كل أسبوع، نأخذ لحظة تأمل نراجع فيها عادةً، فكرةً، أو علاقة، ونسأل أنفسنا: هل نستمر بها؟ أم نضغط زر «ريستارت»... ونبدأ من جديد؟
إن أحد أبرز الملفات التي تحتاج «إعادة تشغيل وهيكلة» جذرية اليوم هو ملف المناهج الدراسية. فالواقع يشهد أن كثيراً من المناهج لا تزال أسيرة تصورات تقليدية، تُكدس المعلومات ولا تصنع العقول، وتُلقن النصوص ولا تدرب على المهارات. وفي حين أن العالم يندفع بخطى متسارعة نحو الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي والتقنيات الخضراء، لا يزال كثير من أبنائنا عالقين في قاعات دراسية تُدرس مواد لا تمت بصلة مباشرة إلى ما ينتظرهم من تحديات في الحياة العملية.
أبناؤنا اليوم على وعي واسع بالتكنولوجيا لكنهم كثيراً ما يستخدمونها بطرق خاطئة تزيد من المخاطر وتقلل من الفائدة. لذلك فإن الأفضل أن نستثمر هذه المعرفة المبكرة في مناهج حديثة تُنمي وعيهم، وتقلل من سلبيات الاستخدام وتوجههم نحو الطريق الصحيح دون أن يشعروا بأن التعليم عبء أو وصاية.
إننا بحاجة إلى مناهج تعليمية جديدة تجعل الطالب باحثاً عن المعرفة، قادراً على النقد والتحليل، لا مجرد حافظ يسعى وراء الدرجات، ويجب أن يتحول الطالب من متلقٍ للمعلومة إلى صانع للمعرفة، ومن حافظ للنصوص إلى مبدع في التطبيق. مناهج تضع بين يديه مفاتيح الإبداع وريادة الأعمال، وتفتح أمامه آفاق العلوم الحديثة في برمجة وذكاء اصطناعي وتحليل البيانات وتربية بيئية. علينا أن نحرر التعليم من جمود الورق، ونحوله إلى تجربة حياتية متكاملة تدمج بين الصف والمختبر، وبين النظرية والممارسة.
وهذا لا يتحقق بمجرد تغيير محتوى كتاب، بل عبر رؤية تربوية شاملة تبدأ من مرحلة الإعداد، حيث يجب أن تُصاغ المناهج بمشاركة خبراء التربية وأهل السوق ورواد التكنولوجيا معاً، ليخرج المحتوى حياً مرتبطاً بمتطلبات المجتمع. وكما أن المعلم يمثل العمود الفقري لهذا التحول، فلا جدوى من منهج حديث يُدرس بعقلية تقليدية، ولذلك فإن برامج إعداد وتدريب المعلمين يجب أن تكون مستمرة، وأن تُصاغ بروح حديثة تواكب المستجدات التربوية والتكنولوجية، بحيث يتحول المعلم إلى موجه وملهم، لا مجرد مُلقن.
وتبرز الحاجة اليوم إلى جعل التعليم أكثر التصاقاً بالواقع، من خلال مشاريع عملية وتدريب ميداني وشراكات مع الجامعات والقطاع الخاص، ليجد الطالب أن ما يتعلمه حاضر في سوق العمل، ويؤمن أن التعلم مسيرة حياة لا توقف.
ولأن التعليم قضية وطنية، فإن الأسرة شريك أساسي في هذه المعادلة، وعليها أن تشجع أبناءها على استثمار معارفهم عملياً لا الاكتفاء بالنتائج الورقية. كما ينبغي للحكومات أن تنظر إلى التعليم كاستثمار استراتيجي طويل الأمد، فالعقول المؤهلة هي القاعدة التي سيُبنى عليها مستقبل الاقتصاد والمجتمع غداً.
فلنضغط هذا الأسبوع زر «ريستارت للمناهج»...، لا لنعود إلى الوراء، بل لنفتح أمام أبنائنا أبواب تعليم حي يواكب الحياة العملية، ويحتضن التكنولوجيا الحديثة، ويؤهلهم لمواجهة التغيرات المتسارعة بثقة وإبداع، ويرتقي بالمجتمع بأسره نحو مستقبل يواكب رؤى الدول واستراتيجياتها القادمة.
* إعلامية بحرينية