غداة تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن حرب الإبادة التي يشنّها على القطاع الفلسطيني المنكوب دخلت «مرحلة حاسمة»، استكملت قوات الجيش الإسرائيلي تطويق مدينة غزة، وسط تقديرات عبرية بأن بداية العملية البرية لاحتلالها ستبدأ بشكل تدريجي منتصف الشهر الجاري، عبر 4 فرق عسكرية، للضغط ميدانياً على نحو مليون فلسطيني للنزوح جنوباً باتجاه حي المواصي، في خان يونس، جنوبي القطاع.
ووفق التقديرات العبرية، فإن الاستيلاء على المدينة سيتم ببطء، وعلى مراحل، وسيعتمد في المرحلة الأولى على وتيرة إخلاء السكان.
جاء ذلك في وقت وقت كثّفت القوات الإسرائيلية قصفها الجوي والمدفعي على المنازل السكنية وخيام النازحين على أطراف المدينة، حيث قدّرت أعداد النازحين منها بنحو 70 ألفا، رغم غياب المواقع الآمنة، وفق ما أكدت مراراً العديد من المنظمات الإغاثية.
وبالتزامن، أفادت مصادر طبية بارتفاع حصيلة الضحايا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية إلى 119 قتيلاً، من بينهم 24 من طالبي المساعدات، إضافة إلى صحافيين اثنين.
احتجاجات وتمرُّد
وأتى ذلك في وقت أفادت تسريبات بانخفاض استجابة جنود الاحتياطي للالتحاق بالجيش الإسرائيلي بنسبة 50 بالمئة، فيما تظاهر محتجون إسرائيليون في القدس مطالبين بوقف الحرب والإفراج عن المحتجزين، وأحرقوا حاويات قرب منزل نتنياهو، مما أدى إلى أضرار في سيارات وإجلاء سكان.
واتهم المحتجون الحكومة بالاستسلام للجناح اليميني المتطرف وتخريب مقترح وقف إطلاق النار لإنقاذ نصف المحتجزين بالقطاع التي قبلت به «حماس».
ضم الضفة
وفي وقت يهوّن التيار اليميني من الاحتجاجات التي عمّت عدة مدن إسرائيلية، طالب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش رئيس الوزراء بعقد اجتماع للحكومة، واتخاذ قرار يُدخله التاريخ كقائد عظيم، عبر إعلان بسط السيادة الإسرائيلية على جميع المناطق المفتوحة في الضفة الغربية المحتلة.
وقال الوزير المنتمي للتيار اليميني المتطرف: «لم تكن هناك قَطّ، ولن تكون هناك دولة عربية في وسطنا»، محذّراً السلطة الفلسطينية من «رفع رأسها» بما سيدفع إسرائيل إلى «تدميرها كما دمّرت حماس».
وأضاف أن مقترحه يقضي بفرض القانون الإسرائيلي على 82 بالمئة من أراضي الضفة، مع ترك 18 بالمئة للفلسطينيين. وتابع: «أقصى مساحة وأقل عدد من العرب».
وأوضح أن: «العرب في الضفة سيديرون حياتهم كما يفعلون الآن بواسطة السلطة الفلسطينية، ومستقبلاً بواسطة إدارات محلية بديلة سنعمل على إقامتها، لكن دون قيادة جماعية مركزية يمكن أن تحافظ على التوجهات القومية الهادفة لإبادتنا».
وترافقت دعوات سموتريتش مع تقارير عن استيلاء مستوطنين على منزل عربي في مدينة الخليل ومقتل فلسطيني برصاص إسرائيلي خلال مداهمات بمخيم بلاطة في نابلس، فيما أعلن جهاز «الشاباك» اعتقال وإحباط خلية تابعة لـ «حماس» من الخليل، قال إنها أديرت من تركيا، وخططت لاغتيال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، بواسطة مسيّرات مفخخة.
رفض واسع
في المقابل، توالت ردود فعل دولية وإقليمية منددة بالتصعيد الإسرائيلي بغزة والضفة، إذ أصدر مجلس التعاون الخليجي ووزارات الخارحية في عدة دول عربية، بينها مصر والأردن، بيانات تنديد رافضة، فيما أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط عن اعتقاده بأن الاحتلال الإسرائيلي يعيش عزلة دولية بسبب «غرور القوة وحسابات المكاسب الشخصية» التي طغت على تفكير قادته.
وقال أبوالغيط، في بيان، إنه ناقش مع وزيرة الخارجية الفلسطينية، فارسين شاهين، مقتضيات التحرك السياسي خلال المرحلة المقبلة، في ضوء رفض الإدارة الأميركية منح التأشيرات لوفد السلطة الفلسطينية للمشاركة في أعمال الدورة الـ 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مطالباً واشنطن بالتراجع عن القرار، لأنه «لا يخدم أجندة السلام».
في موازاة ذلك، شدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال استقباله ولي عهد البحرين، الأمير سلمان بن حمد، على رفض تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وتأكيد ضرورة البدء في إعادة إعمار غزة، وإحياء العملية السياسية الرامية إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفقاً لمبدأ حل الدولتين.
وكان السيسي قال في كلمة خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف أقيم بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية: «أطمئن الشعب المصرى العظيم على يقظتنا وإدراكنا، لما يدور حولنا ويُحاك ضدنا».
في غضون ذلك، أشار وزير خارجية بلجيكا، ماكسيم بريفو، إلى أن بلده ستنضم إلى مبادرة السعودية وفرنسا بإعلان نيويورك المرتقب للاعتراف بالدولة الفلسطينية لـ «الحفاظ على إمكانية حل الدولتين»، فيما وصف نتنياهو رئيس الوزراء البلجيكي القومي الفلمنكي، بارت دي ويفر، بأنه «زعيم ضعيف»، بعد إعلانه المشروط بحرمان «حماس» من أي مشاركة في الحكم وبإطلاق المحتجزين الإسرائيليين لديها للاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية.
لقاء وصدام
إلى ذلك، أفيد بأن «الخارجية» الإسرائيلية تبحث ترتيب لقاء بين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب على هامش خطابه في الأمم المتحدة، فيما يستعد وزير الخارجية الأميركي للقيام بزيارة إلى تل أبيب للمشاركة في مراسم استيطانية بالقدس الشرقية المحتلة.
وفي ظل تقارير عن مطالبة البيت الأبيض للدولة العبرية بتسريع إنهاء حرب غزة بسبب تداعياتها على علاقاتها الخارجية ودعمها بـ «الكونغرس»، أفادت المعلومات بأن لقاء ترامب ونتنياهو مرهون بأن يكون لدى الأخير ما يقدّمه من إنجاز على المستوى الإقليمي أو بشأن غزة.
ورغم الدعم الأميركي غير المحدود للدولة اليهودية، فقد حذّر السفير لدى إسرائيل، مايك هاكابي، من أن الضفة الغربية تقف على حافة انهيار اقتصادي قد يؤدي إلى تصعيد خطير في المنطقة، وأن استمرار الأزمة المالية ينذر بعواقب أمنية واسعة.
في المقابل، اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، أن مواقف وتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المؤيدة للفلسطينيين والمطالبة بالاعتراف بدولتهم من شأنها أن «تقوّض استقرار المنطقة وتدفع نحو خطوات أحادية الجانب»، زاعماً أن ماكرون «لا يعترض» على ما سمّاه بـ «نظام الدفع مقابل القتل».
تجسس ونووي
من جهة أخرى، أطلقت إسرائيل القمر الاصطناعي «أوفيك 19» المُعدّ للتجسس والاستخبارات العسكرية إلى الفضاء ليل الثلاثاء - الأربعاء، وأشارت وزارة الأمن في بيان لها إلى «نجاح عملية الإطلاق»، فيما كشفت صور أقمار صناعية، أمس، تكثيف تل أبيب أعمال البناء بمبنى جديد كبير في «دايمونا» المنشأة المركزية في برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي المشتبه به منذ فترة طويلة.
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة أشوسيتد برس، يقول الخبراء إنه قد يكون مفاعلاً جديداً أو منشأة لتجميع الأسلحة النووية، إلّا أن السريّة المحيطة بالبرنامج تجعل من الصعب الجزم بذلك.