كتبتُ في هذه الزاوية انتقادات كثيرة لمجالس الأمة الأخيرة، خصوصاً مخالفة الدستور وتقديم الاستجوابات غير الدستورية، والتدخل في سلطات الأمير، وتقديم القوانين الشعبوية المضرّة بالمالية العامة، والتدخل في أعمال السلطة التنفيذية بالواسطات والضغوط المختلفة، لكن هذه الأخطاء والإخفاقات الأخيرة، لا يجوز أن تنسينا كثيراً من الأعمال والإنجازات الكبيرة التي بادرت بها المجالس السابقة.
مَن منّا ينسى دور مجلس الأمة بمكافحة الفساد في أول مجلس بعد التحرير، حيث أقر قانون حماية الأموال العامة الذي لا يزال يؤتي ثماره إلى اليوم؟ ومَن ينسى كيف أصر المجلس على متابعة قضايا المال العام واسترجاع الأموال المغصوبة، خاصة في قضايا الناقلات الشهيرة، وإسبانيا، ومكتب لندن؟ وكيف قام هذا المجلس بإلغاء القانون السابق لمحاكمة الوزراء، وأقر القانون الجديد الذي حوكم به عدد من الوزراء السابقين وأُدينوا؟ وكيف أقر قانون استقلال القضاء الذي كرّس استقلال النائب العام عن وزير العدل في الاختصاص المتعلق بأي شأن من شؤون الدعوى الجزائية؟
وفي القضايا التي تهم المواطن، كان مجلس 1985 هو أول مجلس في تاريخ الكويت يقر زيادة علاوة الأولاد التي كانت أقل من عشرة دنانير في ذلك الوقت، كما أقر قانون اختصاص وزارة الصحة وحدها بتسعير الأدوية، الذي يُطبّق الآن.
أما مجلس 1992 فقد سنّ إجازة الأمومة أربعة أشهر بعد إجازة الوضع لمصلحة الأم الكويتية، وأصر مجلس 1999 أيضاً على قانون تحديد الحد الأعلى للرسوم 79/ 95، الذي حمى المواطن من زيادة رسوم الوزارات لمدة 30 عاماً، ومجلس 1999 هو الذي طالب وأقر صرف العلاوة الاجتماعية وعلاوة الأولاد للعاملين الكويتيين في القطاع الخاص، وأقر قانون مشاركة الوافد وكفيله في قيمة الخدمات الصحية.
وأيضاً طالب مجلس الأمة وأقر قانون اقتطاع 2.5 بالمئة من أرباح الشركات لتمويل صندوق دعم العمالة، وسنّ المجلس أيضاً قانون تمويل صندوق التنمية بـ 25 في المئة من أرباحه لمشاريع إسكان المواطنين، ومجلس الأمة هو الذي كان وراء إنجاز كثير من القوانين الإسلامية، فقد شهد مجلس 2007 ولادة قانون الزكاة.
ومجلس 1992 هو الذي طالب وأقر قانون منع الاختلاط، في حين أقر مجلس 2007 قانون عدم استغلال المرأة في الأعمال التي تتنافى مع كرامتها، والتي تخصص لخدمة الرجال، وأقر بأن تعمل الشركات الكبرى التي تنشئها الحكومة بالاكتتاب العام وفق أحكام الشريعة، وكذلك التعديلات الشرعية على القانون المدني وبعض مواد قانون الجزاء المتعلقة بالخطف والقتل والاغتصاب والمخدرات.
كذلك طالب المجلس وأقر قانون البنوك الإسلامية وإنشاء شركتَي الاتصالات الثانية والثالثة، ووضع الرسوم على الأراضي الفضاء، وإنشاء مدينة جامعية متكاملة، وغيرها من القوانين الممتازة.
لقد أمرنا الله بالعدل والقسط، فقال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ»، فالواجب - كما فعلتُ شخصياً في هذه الزاوية - أن نذكر الإيجابيات والإنجازات كما نذكر الإخفاقات والسلبيات عند تقييم مجالس الأمة، وهذا ينطبق أيضاً على الحكومات المتعاقبة.