ماذا لو أمكنك أن تحيا مئة أو مئة وخمسين سنة بصحة ممتازة وأموال وفيرة وراحة بال دائمة، وفي بلاد توفر لك كل أسباب الطمأنينة والاستقرار النفسي، ففيها أمن اقتصادي وأمن روحي لا تتغير فيها أحوالك بمفاجآت من هنا وهناك، كقوانين مزعجة تقلب أحوالك بين ليلة وضحاها، أو تغيّرات اقتصادية تنقلك من خانة الأعلى إلى الأسفل من دون سابق علم ودراية.

نشرت مجلة نيويوركر في الرابع من شهر أغسطس مقالاً مطولاً للكاتب تاد فريند عن الاستثمار في الخلود، بطل الحكاية هو المليونير بيتر ديماندريس الذي استثمر الملايين من ثروته الضخمة بحثاً عن نبع الحياة الدائمة، عنده المختبرات والأجهزة العلمية التي تغوص فيما يسمى «بايو هاكنج»، عبرها يتم فحص الدم بصورة مستمرة، أجهزة تقنية تتابع كل تغيير في الجسد، إذا كانت الأجساد فانية، فليمدّ من صلاحيتها لسنين طويلة، عبر ضمان وكالة كراجه الخاص لتصليح الأجساد الآدمية، وعسى ألّا يدري عنها الجماعة هنا، فيبادروا بالاستحواذ على وكالتها التجارية.

Ad

في وكالة ديماندريس ينصح الناس الباحثين عن العمر المديد بضرورة راحة البال وترك القلق اليومي واتّباع برامج حمية خاصة ورياضة... وغيرها.

يفكر الباحثون في حلم فركشتاني كأن يثبتوا الوعي البشري في غيمة افتراضية «كلاود»، وقبل فناء الجسد يمكن نقل المعلومات من فكر وذكريات إلى تلك الغيمة الافتراضية.

يتحدى هؤلاء البليونيرية تاريخ النهاية بتأجيله سنوات طويلة، أما حتمية الموت فهذا هو المستحيل، وهو احتمال نهاية كل الاحتمالات، بتعبير الفيلسوف هايدغر.

هل شاهد أحدكم الفيلم السويدي القديم «الختم السابع»، حين يلعب الفارس القادم من الحرب لعبة الشطرنج مع ملاك الموت، في رهان يعتقد الفارس إن كسبه فهو لن يموت؟... نتيجة الرهان حتمية.

كاتب المقال يقرر بصدق أن مثل هذا الرأي يثير قضايا أخلاقية إنسانية، فماذا عن الفقراء، وأي عدالة هذه حين تنتهي حيواتهم بسرعة بأمراض الفاقة والحروب، بينما تمد الأموال العريضة من أعمار أصحاب البلايين؟

الراحل د. فؤاد زكريا كتب مرة أن الناس الذين يعيشون في جبال القوقاز النائية تمتد أعمارهم سنوات طويلة، وهذه الحياة المديدة المنعزلة عن الفكر والحضارة لا يتمناها أستاذنا فؤاد أبداً.