مسكين البائس جوزيف كي، يصحو من نومه على طرق الباب، ليجد نفسه أمام موظفين مجهولين يخبرونه أن عليه قضية وتنتظره محاكمة لا يعرف المبلغون ماهية القضية ولا التهمة... هناك تهمة وقضية... ما هي؟ وما موضوعها؟ لا أحد يعرف.
يهرول جوزيف كي نحو إدارة الحكومة القضائية، يريد أن يعرف ما جريمته التي سيحاكم عليها، وأي ذنب ارتكبه... لا يجد من يسعفه، إلا أن جوزيف كي يظل يراجع تلك الجهات الرسمية عله يجد من يسعفه في متاهات بيروقراطية ليس لها أول ولا آخر... لكن من غير جدوى... يحاول البعض أن يساعدوه لكن دون فائدة ترتجى. يمضي زمن طويل يلتقي جوزيف كي بالمحامي وكاتب الإدارة الفاسدين وغيرهما، وكلهم مجرد أدوات رثة في جهاز عاطل يضج بالفساد واللامبالاة، قوانين غريبة لا أحد يعرف لماذا شرعت ولماذا اختصته بصحيفة اتهام دون تهمة.
يظل جوزيف كي طليقاً لزمن ممتد، ولكن التهمة المجهولة تبقى مسلطة عليه، وفي النهاية ينتهي أمر البائس جوزيف كي بإعدامه بصورة موغلة في التوحش بمكان مجهول... غرست سكين الجلادين في صدره... لم يرَ القاضي الذي أصدر الحكم، ولم يصل إلى المحكمة كيف يدرك التهمة.
رائعة «كافكا» عن المحاكمة سوداوية «كافكيه» بجدارة، مثل بقية قصصه، تحكي لنا عن عبثية الحياة حين يقع البشر ضحايا لقدر ظالم، لم يصنعوه وليس لديهم خيار آخر يلجأون إليه، فلا يبقى لهم غير أن يسلموا أمرهم للبؤس ولهذا القدر الأسود.
بيروقراطية قاتلة في القصة، شرحها لنا كافكا بدقة متناهية، أيضاً يرسم لنا الروائي تخوم تلك الدولة التي تشرع وتنفذ قوانين لا تدرك السلطات أهدافها، ولا يعرف الناس كيف يردونها. إذا كان العالم المتقدم قد انتهى من حقبة العشوائيات التشريعية، فما زال في عالمنا الثالث الملايين والبلايين من شاكلة جوزيف كي ونماذج لا تنتهي من صور محاكماته.