شهدت الأجور في منطقة اليورو ارتفاعاً طفيفاً خلال الربع الثاني من هذا العام، حيث تسارع معدَّل نموها، في ظل بقاء معدلات البطالة عند مستويات قياسية متدنية. ومن المرجح أن يدفع هذا التطور البنك المركزي الأوروبي إلى توخي الحذر بشأن خفض أسعار الفائدة بشكلٍ إضافي.
وأفاد «المركزي» الأوروبي بأن الأجور المتفق عليها بين أصحاب العمل والنقابات ارتفعت بنسبة 3.95 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
السياق الاقتصادي الأوسع
ورغم الرسوم الجمركية الأساسية، البالغة 15 في المئة التي فرضتها الولايات المتحدة أخيراً على صادرات الاتحاد الأوروبي، ظل النشاط الاقتصادي مرناً. فوفقاً لشركة S&P Global، ارتفع مؤشر الشراء المركب لمنطقة اليورو - وهو مقياس رئيسي لنشاط القطاع الخاص - إلى 51.1 هذا الشهر، مما يشير إلى استمرار النمو.
وفي حين ساعدت الاتفاقيات التجارية الأخيرة في تقليص حالة عدم اليقين العالمية، فإن نمو منطقة اليورو ارتكز بالأساس على عوامل داخلية قوية، مثل: الاستثمارات المحلية المتينة، والاستهلاك المستمر، إضافةً إلى سوق عمل قادر على الصمود.
وبالأسعار الحقيقية، أي بعد احتساب أثر التضخم، عادت العديد من دول منطقة اليورو إلى مستويات نمو الأجور التي كانت سائدة قبل جائحة كوفيد- 19 عام 2024. ومع ذلك، ورغم أن نمو الأجور الفعلية تجاوز معدَّل التضخم السنوي في معظم الدول بحلول نهاية 2024، فإن معظم هذه الدول لا تزال تسجل انخفاضاً ملحوظاً في الأجور الحقيقية على المدى الطويل، وهو ما يعكس تعافياً غير مكتمل في القوة الشرائية.
ويختلف هذا الاتجاه طويل الأمد عن بريطانيا والولايات المتحدة، حيث ارتفعت الأجور الحقيقية منذ عام 2019، رغم فترات طويلة من التضخم المرتفع.
مرونة سوق العمل والضغوط الخارجية
رغم ارتفاع معدلات التوظيف الكُلية في منطقة اليورو، فإن التباينات بين القطاعات لا تزال قائمة. فعلى سبيل المثال، يواصل قطاع التصنيع تسجيل تراجع في التوظيف، ويرجع ذلك جزئياً إلى المنافسة مع الشركات الصينية التي تسببت في خسائر كبيرة للوظائف خلال السنوات الأخيرة. ومن المتوقع أن تزداد هذه الضغوط مع قيام الولايات المتحدة برفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية، مما قد يدفع الشركات الصينية إلى البحث عن عملاء جُدد في السوق الأوروبية.
التضخم وتطورات الأجور
في الختام، يظل نمو الأجور عاملاً حاسماً بالنسبة للبنوك المركزية، نظراً لإمكانية مساهمته في دعم الضغوط التضخمية. ويُظهر مؤشر Indeed Wage Tracker تباطؤاً تدريجياً في نمو الأجور عبر منطقة اليورو، وإن كان مع وجود فروق بين الدول. وتشير التوقعات إلى أن نمو التعويضات لكل موظف (CPE) تباطأ في أواخر عام 2024، وهو ما يتماشى مع توقعات البنك المركزي الأوروبي، ويدعم الرأي السائد بأن الضغوط التضخمية المدفوعة بالأجور ستتراجع مع التقدُّم نحو عام 2025.