في موقف يتناغم مع تصريحات لتوم براك، المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، أكد قائد قوات سورية الديموقراطية (قسد) مظلوم عبدي في رسالة إلى مؤتمر شبابي كردي بأوروبا أن «سورية لن تعود كما كانت قبل 2011، وأن الحل يكمن في بناء نظام ديموقراطي لا مركزي»، مشدداً على ضرورة حماية مكتسبات الأكراد عبر السياسة والتفاوض.
ووسط مساع لإحياء المفاوضات بين الحكومة السورية الانتقالية والأكراد، أكد عبدي أن قواته «مستعدة لكل الاحتمالات»، لكنها «تسعى لتجنب الحرب عبر الحوار».
وعكست رسالة عبدي قناعة راسخة لدى قيادات «قسد» بأن اللحظة الإقليمية والدولية تتيح لهم مساحة واسعة للمناورة، خصوصاً مع انشغال دمشق بجبهات الجنوب، والضغوط الأميركية المستمرة لإيجاد تسوية تحفظ مصالح واشنطن وحلفائها.
وكان براك، الذي يشغل كذلك منصب سفير الولايات المتحدة في أنقرة، قلل خلال مقابلة مطولة أجراها عبر بودكاست «ماريو نوفل»، على منصة «إكس»، الخميس الماضي، من احتمالات قيام حكومة مركزية في سورية، وأكد أن «وحدات حماية الشعب» الكردية و«قسد» لم تعودا جزءاً من حزب العمال الكردستاني.
وأثارت تصريحاته رد فعل غاضبا في تركيا. واتهم منصور ياواش، رئيس بلدية أنقرة، المعارض من حزب الشعب الجمهوري، براك بالتصرف «كحاكم إقليمي» في سورية، قائلاً إن المبعوث الأميركي «يسعى لتحقيق ما كانت تطمح إليه الإمبريالية ولم تستطع تحقيقه قبل 100 عام، يتحدث عن الدول المنقسمة إلى ولايات، وكيف أن دولها القومية سيئة جدا، ويدعو عملياً إلى إنشاء دول صغيرة جداً».
ميدانيا، تجددت المناوشات بين وحدات الجيش السوري، التابع للحكومة الانتقالية، وقوات «قسد» ذات الأغلبية الكردية.
وأفادت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» بأن وحدات الجيش تصدت فجر اليوم لمحاولة تسلل نفذتها «قسد» باتجاه تل ماعز في ريف حلب الشرقي، بعد قصف متكرر بقذائف الهاون وراجمات الصواريخ، وأكدت مصادر عسكرية أن الاشتباكات أجبرت المهاجمين على الانسحاب، في وقت شهد محور «دير حافر» مواجهات متزامنة زادت من حدة التوتر في المنطقة.
وقبل الاشتباك، أعلنت «قسد» انتهاءها من تنفيذ عملية أمنية واسعة في الحسكة أسفرت عن اعتقال 51 عنصراً من تنظيم داعش، بمشاركة 3 آلاف مقاتل، مؤكدة أن العملية «ضربة استباقية» لمنع التنظيم من إعادة ترتيب صفوفه.
في الجنوب، تبدو الصورة أكثر خطورة مع تصاعد خطاب شيخ العقل حكمت الهجري لاستقلال السويداء، ودعوته ليشمل كامل المنطقة الجنوبية.
وأعلن الهجري، أمس، أن تشكيل «الحرس الوطني» جاء بطلب من «الدول الضامنة»، مؤكداً أن الطائفة الدرزية «تعرضت لإبادات متكررة، والخيار الوحيد المتبقي هو إقامة كيان مستقل يحمي الدروز».
ويرجح خبراء أن الهجري يرفع سقف خطابه، إما للحصول على حكم ذاتي وفدرالية، أو بدفع من قوى خارجية نحو خيار الانفصال الفعلي.
التطورات المتسارعة في السويداء دفعت مراقبين إلى التأكيد على أن الأزمة تجاوزت الطابع المحلي إلى معادلة إقليمية معقدة: أنقرة تصر على مركزية الدولة السورية، وإسرائيل تسعى إلى جنوب منزوع السلاح، وواشنطن تضغط لتحقيق اختراق سياسي قبل الانتخابات النصفية الأميركية.
بالتوازي، كشفت مصادر عبرية أن إدارة ترامب تضغط لعقد اتفاق أمني بين دمشق وتل أبيب في سبتمبر الجاري، قبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وبحسب التسريبات، فإن الاتفاق يهدف إلى نزع السلاح في الجنوب، ومنع التمدد التركي، وفتح ممر إنساني من إسرائيل إلى السويداء، بما يضمن لإسرائيل نفوذاً عملياً ويمنع قيام قواعد أجنبية في خاصرتها الشمالية.
لكن الشرع يشترط الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة والعودة إلى اتفاقية فصل القوات لعام 1974، وهو ما تعتبره تل أبيب «غير واقعي» في ظل تحكمها بقمة جبل الشيخ والمنطقة العازلة.