تحدث، اكتب، قل رأيك وامض في طريقك! لا أبداً لا يمكنك أن تفعل ذلك كما يوسوس لك شيطانك، هناك حدود، هناك قواعد وأصول للكلام والتعبير، طبعاً كلنا - أو بلغة أصح العقلاء منا - نؤمن بحق البشر في التعبير، ومعظم الدساتير والقوانين في دول السنع تقرر مبادئ ذلك الحق الإنساني، إلا أنه لابد من ضبط الأمور، فالكلام العام الذي يحرّض الناس على كراهية جماعة دينية، أو طائفية أو عرقية، لا يُعد من حرية التعبير، والتعبير الذي يؤجج مشاعر الناس على مؤسسات الدولة الرسمية لا يُعد من باب حرية التعبير، والعبارة الأخيرة - يا سبحان الله - قاصرة على أغلب دولنا، وليس لها مكان في دول الغرب كقاعدة وتخضع اليوم مع هيمنة المحافظين الجدد لكثير من الاستثناءات، كما يحدث في تجمعات الشباب المتظاهرين بالجامعات الغربية ضد الإجرام الإسرائيلي في غزة.

«الحرب على الكلمات» هو العنوان الرئيسي لكتاب غريغ ليكنوف ونادين ستروسين، ويستعرض الكاتبان بعنوان فرعي عشر قواعد لتقييد وضبط حرية التعبير، والتي تتهاوى كلها في النهاية.

Ad

الكلمات لا تسبب ضرراً، وإذا كان هناك مَن يتصور أنها تضر، فهذا يعتمد على مَن يتلقاها. هل هو متعصب لفكر أو عقيدة ما، ويتخيل بكل وهم مريض أن الكلام أو الكتابة فيهما سخرية وأذى لقناعاته، وعندها يقمع صاحب الرأي أو يتم تحريض السلطات عليه، أو قد يحمل المتعصب السكين ليغرزه في رقبة صاحب الرأي، كما حدث مع الروائي سلمان رشدي قبل أعوام بسيطة.

ما هو الحد الفاصل بين خطاب الاستنارة وعبارات الإساءة والتحريض على الكراهية؟ في الولايات المتحدة كان هناك ما يسمى «اختبار الضرورة» الذي وضعه القاضي برانديس بالمحكمة العليا، وهو يخضع لتقديرات السلطة التنفيذية، وعندهم ما يسمى هكلر فيتو، حين تقوم الحكومة بتقييد حق التعبير المقرر حسب التعديل الأول للدستور، عندما ترى السلطة أن ممارسة حق التعبير يسبب ردود فعل سلبية متوقعة من الجمهور الغاضب.

لم تمنع قوانين المنع والقمع الناس من الكلام والتعبير عن آرائهم، ولم تقف ضد صعود جماعات نازية للحكم، مثل ما حدث في ألمانيا قبل الحرب الثانية حين وصل الحزب النازي إلى الحكم.

غاندي قال حكمة جميلة: افتحوا النوافذ كلها، ودعوا الريح تهب من كل مكان، فهي لن تقلعني من مكاني.