في يومٍ من أيام الله، يرنّ هاتفي على حين غفلة: صوت نديّ، يحمل النخوة والأصالة العربية، يأتي من هناك، من بعيد، بل من أعماق أعماق الفؤاد... يقول لي: أستاذ محمد أنا عامر الهاجري.
لم أكد أسمع الاسم كله، بل ذهبت في خيالٍ حسبته دهراً، عامرٌ، ما أجمل هذا الاسم وما أجمل معناه! العامر في كل شيء، وبكل شيء، وبأحلى شيء، فتذكرت مَن مِن الأفذاذ الذين حملوا مثل هذا الاسم، فطرأ على خيالي السلطان عامر بن عبدالوهاب الطاهري، سلطان هذه الدولة العظيمة، وذائعة الصيت في تاريخنا اليمني، وما أكثر «عامر» في أسماء أمرائها وملوكها.
ثم ذهب حدسي نحو عامر بن حارثة الغطريف (ابن ماء السماء) الأُزدي الكهلاني السبئي، جد الأوس والخزرج (أنصار نبينا الكريم وحاملي راية دينه)، وثم عرجت على عامر بن نهد القضاعي القحطاني، ثم على عامر بن جشم، (جد أعشى همدان، الشاعر الضرير).
ولم تمرّ هنيهة وأخرى، حتى تساءلت: مَن؟! فقال لي: عامر الهاجري، من الكويت، يا لذاك البلد من حنينٍ في القلب، وبهجة في الروح، ما إن تنطق اسمه أو تسمعه حتى تتراقص دواخلك طرباً، وتتبدى على مُحيّاك كل أسارير البهجة والفرح، إنه وطن البهجة دونما منازع.
الأحاديث مع هذا العامر الجميل لا تُملّ، ولا تنطفئ، بل تزداد توهجاً وبهجةً، وكأن به صديق طفولةٍ، أو زميل دراسةٍ، أو رفيق عملٍ، فتزداد صداقتي به كلما سمعت صوته، وتزدان أحاديثنا بحُسن سرده، وجمال معانيه، وجزالة ألفاظه، فهو الهاشّ الباشّ، وهو العزيز الجميل، وهو المَعين الذي لا ينضب، فكراً وثقافةً ومعرفة، وهو صاحب المبادرة في كل شيءٍ حسَن، وهو الرضي والمرضي عنه من ربّ السماوات، وكما يقولون: «القبول من رب السماء»، فهذه حقيقة متمثلة به، فهذا العامر هو المقبول عنده، والمشمول بكرمه، والمغفورة ذنوبه.. وكل ذلك وأنا لم ألتقِ به من ذي قبل، بل لم أرَ مُحيّاه الكريمة من سابق.
وحقيقةً، لا أعرف هل كل ذلك اتّصف بها دوناً عن غيره، أم أنها ميزةٌ عظيمة تميّز بها كل أبناء الكويت، أو معظمهم، فالحياة قد جادت بي صُدفها أن ألتقي العديد من أبناء هذا الوطن الجميل، عندما كان اليمن مفتوحاً أبوابه ومُشرعةً جناحاته للقاء أحبته العرب، وعلى رأسهم أبناء الكويت العظيمة، فبالنسبة لي لن أنسى الأستاذ الكبير ورجل الدولة عبدالهادي العجمي، الأمين العام المساعد للمجلس الوطني الثقافة والفنون والآداب في الكويت، الذي علّمني، في أحد لقاءاتي معه، كيفية عصر شاي الليبتون جيداً لتعزيز نكهته، ولن أنسى تواضع وهدوء وكمية الاحترام التي يتميز بها سلطان الفن الخليجي (أبو خالد)، عبدالله الرويشد، وأيضاً الموسوعة المعرفية والكاتبة الباذخة بالجمال، ليلى العثمان، وأيضاً سنديانة البهجة، ساحرة التمثيل سعاد العبدالله، التي رافقتها عند زيارتها لمدينة كوكبان، وتحديداً لدار القاضي علي بن حمود، ذاك القصر الملتصق في عرض جبل كوكبان الشامخ، فما كان منها أن ترى الشاهق السحيق تحتها حتى ينطق لسانها بالشهادتين خوفاً ورعباً من هول المنظر.
ولن أنسى ظرافة وسحر أعضاء فرقة مسرحية «طار برزقه» بقيادة الفنان الجميل طارق العلي، الذي أخطأ مسؤول يمني في قراءة اسم هذه المسرحية مراراً وتكراراً، ولعلها من المصادفات العجيبة في خطأ كهذا!
كما أن الكويت تتمتع بكمية جمالٍ آسر، وتاريخٍ معجونٍ بالفن والثقافة والأصالة، فلن ينسى أبناء جيلي، صاحب أغنية «ما أروعك»، الفنان الرقيق نبيل شعيل، أما الخالد محبةً والعظيم فنّاً «أبو خالد» فنان الأحاسيس المرهفة والحبّ الشجي عبدالكريم عبدالقادر، فهو رفيق محبتنا، وعشقنا، ولوعاتنا، فأغنية «أحبك عدد ما قالوا العشاق كلمة أحبك... أحبك عدد ما سطَّرت الأوراق كلمة أحبك»، هي رسالتنا للمحبوب، وهو الفنان الذي لا يُنسى، والذي لا يعوّض، رحمة الله تغشاه.
إن سردية أن تنتمي لبلدٍ ربما يكون بعيداً قليلاً منك بالمنطق الجغرافي، ولكنّه يحتل قلبكَ وقلب كل من يحمل الجمال، لهُو عنوان البهجة في كل وقتٍ وحين.
فإلى صديقي العزيز، وإلى وطنه الأجمل كل التحايا، وكل المحبة التي تحملها شعوب العالم...
حفظ الله الكويت وأهلها وناسها وشعبها وقيادتها.. اللهم آمين.
* صحافي يمني